إنّ الشك المسببي ليس في رتبة الشك السببي ليجري الأصل فيهما معاً ويسقطان معاً بل رتبة الأصل السببي متقدّم على الأصل المسببي، لتقدّم رتبة الشك السببي على الشك المسببي، وعندئذ لا تصل النوبة إلى الأصل المسبّبي مع جريان الأصل السببي سواء توافقا في المضمون أو تخالفا، والمفروض أنّ الأصل السببي سقط بالتعارض فتصل النوبة إلى المسببي بلا تعارض[ 1 ].
ولا يخفى أنّ ما ذكر مبني على أنّ الرتب العقلية موضوعة للأحكام الشرعية فعندئذ يقدَّم المتقدّم رتبة على المتأخّر رتبة، فإذا سقط الأصل في الرتبة المتقدمة بالتعارض تصل النوبة إلى المتأخّرة بلا معارض وهو أصالة الطهارة، ولكن المخاطب بقوله: لا تنقض اليقين بالشك. أو قوله كلّ شيء طاهر، هو العرف لا الفيلسوف المتوجّه إلى دقائق الرتب العقلية، وعلى ذلك فهذه الخطابات ناظرة إلى المصاديق الخارجية للشك وإنّما يقدّم الأصل لو تقدم الشك في واحد على آخر زماناً، لا ما إذا اتّحدا زماناً واختلفا رتبة وعقلاً، وعندئذ لا يصح القول: بأنّ الأصل إذا سقط بالتعارض تصل النوبة للمسبّبي وهو يجري بلا معارض، بل الأصل المسبّبي يسقط أيضاً مثل السببي بالتعارض، لأنّ الدليل يشمل الملاقى والملاقي والطرف الآخر في ظرف واحد وزمان فارد. لا أنّه يشمل الملاقى والطرف الآخر أوّلاً، فإذا سقط تصل النوبة إلى المسبّبي ثانياً لأنّ المفروض أنّ الدليل يشمل الجميع في عرض واحد، ولا اعتبار بالمتقدّم والمتأخّر العقلي.
تفصيل المحقق الخراساني:
إلى هنا تبيّـن وجه القولين فهلمّ معي ندرس القول الثالث وهو