الحمد لله الّذي أنزل على عبده الكتاب، ولم يجعل له عوجا، والصلاة والسلام على سيد رسله، وخاتم أنبيائه محمّد وآله، الذين هم معادن العلم وينابيع الحكم، ومصابيح الظلم، وعصم الأُمم، ما أنار نجم ساطع، وخوى نجم طالع.
أمّا بعد: فإنّ شرف كلّ علم بشرف غايته، والغرض الأسمى الّذي يُترقّب من تحصيله. والعلم بالأحكام الشرعية عن مصادرها الأصلية، يُعدّ من أشرف العلوم وأثمنها وأغلاها، إذ في ظلّه يقف الإنسان على تكاليفه أمام الله سبحانه أوّلاً، وأما خلقه ثانياً، ويكتسب سعادة الدارين ثالثاً.
ومن المعلوم أنّ تحصيل ذلك العلم ليس منهلاً لكلّ وارد، وإنّما تقوم به الطبقة العليا من رجال الدين والشريعة الذين كرّسوا حياتهم في فهم الكتاب والسنّة، واستحصلوا ما يتوقّف عليه فهم الحكم من المصدرين المذكورين.
وممّا يتوقف عليه فهم الأحكام من مصاردها، بل يدور عليه رحى الاستنباط هو التعرّف على القواعد الأُصولية الّتي تعدّ كبريات للاستنباط، فهي بالنسبة إلى الفقه كالشجرة إلى الثمرة، والأساس إلى البناء.
ولأجل ذلك التأثير الهام لها، عكف علماء الإسلام على تدوينها من العصور