التحليلية. فالبحث عن خواص الأجسام الظاهرية أو الباطنية في علمي الفيزياء و الكيمياء، بحث عن العوارض الخارجية ، و لكن البحث عن تعيّنات الوجود، في العقل والنفس، و الجسم و الصورة والهيولى، بحث عن العوارض التحليلية فالموضوع في العلم الإلهي إنّما هو الوجود أو الموجود بما هو موجود، ومباحثه عبارة عن تعيّناته التي هي الماهيّات ، وليست نسبة الماهيّات إلى الوجود إلاّ كنسبة الأعراض التحليلية إلى موضوعاتها، و روح البحث عبارة عن أنّه هل يتعيّن الوجود، بالواجب، أو الممكن أو يتعيّن الموجود الممكن، بالجوهر والعرض. أويتعيّن الموجود الممكن الجوهر، بالعقل و النفس والجسم الخ...والفيلسوف لمّا رأى الوجود و شاهده بعين القلب، يضعه أمام فكره و يبحث عن تعيّناته وحدوده التي هي المهيّات و يقول: هل الوجود يتعيّن بهذا و ذاك، أو لا؟.
والظاهر أنّ مثل علم الأُصول كمثل الفن الأعلى، فالفقيه واقف على أنّ بينه و بين ربّه حجّة قاطعة للعذر، موجودة فيما بأيديه من الحجج. فيبحث عن تعيّناتها بالخبر الواحد أوّلاً.
و إن شئت قلت: إنّ الضرورة قائمة على ثبوت شريعة ذات أحكام يجب الأخذ بها، كما قامت الضرورة على أنّ إبلاغ الأحكام مبني على الطرق التي بنى عليها العقلاء في مخاطباتهم و محاوراتهم و حوائجهم فهذه الضرورة توجب اذعان الفقيه بوجود حجّة أو حجج بينه و بين ربّه و لكنّه لا يعلم حدودها وخصوصياتها وألوانها: هل هي خبر الواحد، أو لا، الشهرة أو لا، الخ... فيضع الموضوع المقطوع بوجوده أمامه، و يبحث عن تعيّناته و خصوصياته.
وأنت إذا تفحّصت المسائل الأُصولية تقف على أنّ روح البحث في جميعها عن وجود الحجّة على إثبات حكم أو نفيه، أو الحجّة على إثبات عذر وعدمه، كمسائل البراءة و الاشتغال. وما من مسألة من المسائل الأُصولية إلاّ و يحتجّ بها بنحو من الاحتجاج.