القضاء، لاتقديم علمه على البيّنة; إذ العلم و إن كان أقوى في نظره، ولكن البيّنة أقوى في نظر الأخيرين من علمه فترفع الشكوى إلى قاض آخر، يحكم هو حسب الموازين القضائية الممكنة المتيسّـرة.
أضف إلى ذلك أنّ القضاء من الأُمور ذات الإضافة، له إضافة إلى من يقضي، ومن يقضى له، ومن يقضى عليه فله ـ كالمثلث ـ أضلاع ثلاثة، وهو غير متحقق في القضاء، بالعلم في حقوق الله سبحانه، لاتّحاد القاضي والمدعي(من يقضى له) فيها، فتنفيذه فيها يحتاج إلى دليل خاص، هذا هو مقتضى القاعدة.
فقد تلخّص ممّا ذكرنا أنّه لولا الدليل على نفوذ علم القاضي في المتخاصمين، لما جاز الحكم به. ثمّ إنّه ربّما يتوهم أنّ مقتضى الأدلّة العامّة في القضاء وغيره هو جواز الحكم بالعلم، فهذا ما نذكره في البحث الآتي ونبرهن، أنّه لادلالة لهاعلى الجواز، ولابدّ من التماس دليل خاص.
***
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الأدلّة فيها مقامات ثلاثة:
الأوّل: ما يصلح للاستدلال به على جواز العمل به مطلقاً من غير فرق بين حقوق الله و حقوق الناس.
الثاني: ما يصلح للاستدلال به عليه في خصوص حقوق الله.
الثالث: ما يصلح للاستدلال به عليه في خصوص حقوق الناس.