فهذا المقطع من
الآية الكريمة بإيجازها يتكفّل بيان أمرين :
١. يأمر بتوحيد
الكلمة والاعتصام بحبل الله.
٢. يزجر عن
التفرّق والتشتّت.
وهذان الأمران من
الوضوح بمرتبة لا يختلف فيهما اثنان.
ومع الاعتراف بذلك
كلّه فاختلاف الكلمة إنّما يضرّ إذا كان صادراً عن ميول وأهواء ، فهذا هو الّذي
نزل الكتاب بذمّه في غير واحدة من آياته ، يقول سبحانه : (إِنَّ
الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)[٢] ، ويقول : (وَلا تَكُونُوا
كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ)[٣] ، فهؤلاء اختلفوا بعد ما تمّت عليهم الحجة وبانت لهم
الحقيقة ، فهذا النوع من الاختلاف آية الأنانية أمام الخضوع للحقائق الراهنة.
وأمّا إذا كان
الاختلاف موضوعياً نابعاً عن حبِّ تحرّي الحقيقة وكشف الواقع ، فهذا أمر ممدوح ،
وأساس للوصول إلى الحقائق المستورة ، وإرساء لقواعد العلم ودعائمه.
إنّ الاختلاف بين
الفقهاء أشبه بالخلاف الّذي وقع بين نبيّين كريمين : داود وسليمان ـ على نبينا
وآله وعليهماالسلام ـ في واقعة واحدة حكاها سبحانه في كتابه العزيز وقال : (وَداوُدَ
وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ