وقد وصف سبحانه البلد بالاَمن وأصل الاَمن طمأنينة النفس وزوال
الخوف، وقد جعله وصفاً في بعض الآيات للحرم، قال سبحانه: (أَوَ لَمْ نُمَكِّن لَهُمْ
حَرماً آمناً يجبى إليهِ ثَمرات كلّ شَيْءٍ رِزْقاً من لَدُنّا وَلكِنّ أَكثَرهم لا يَعْلَمُون)[2]
والمراد من هذا الاَمن هو الاَمن التشريعي، بمعنى أنّه سبحانه حرم فيه القتل
والحرب حتى قطع الاَشجار والنباتات إلاّ بعض الاَنواع مما تحتاج إليه الناس،
والذي يوضح أنّ المراد من الاَمن هو الاَمن التشريعي لا التكويني قوله سبحانه:
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِلَلَّذي بِبَكّة مُباركاً وَهُدىً لِلْعالَمين * فِيه آياتٌ بَيِّنات
مَقامُ إِبراهيم وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَللّه عَلى النّاسِحِجُّ الْبَيْت مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبيلاً
وَمَنْ كَفَرَ فإِنَّ اللّه غَنِيٌّ عَن الْعالَمين) . [4]
فالآية الاَُولى تحكي عن تشريع خاص، وهو أنّ الكعبة أوّل بيت وضعت
لعبادة الناس، ويدل على ذلك أنّ فيه مقام إبراهيم، كما أنّ الآية الثانية تبيّن تشريعاً
آخر، وهو وجوب حجّ البيت لمن استطاع إليه، وبين هذين التشريعين جاء قوله:
(وَمَنْ دَخَلَهُ كانَآمِناً)وهذا دليل على أنّ المراد من الاَمن هو الاَمن التشريعي لا
التكويني، ولذلك كان الطغاة يسلبون الاَمن عن هذا البلد بين آونة وأُخرى.
[1] العنكبوت:67. [2] القصص:57. [3] العنكبوت:67. [4] آل عمران:96ـ 97.