الباحثة عن الفلسفتين، الذين يعملون لتوحيد الاتجاهات الفكرية فيها، البحث عن الأُمور العامّة والقواعد الجارية في مراتب الوجود عامّة، ونظام الكون كلياً.
وأظن أنّ السبب الرئيسي في تكثّر المسالك الفلسفية في الغرب هو انحرافهم عمّـا هو المحور الأصلي لتحليل المسائل الفلسفية، فإنّ إتقان البحث في هذه الأُمور الكلية يسهّل البحث في غيرها ويكون ميزاناً صحيحاً لمعرفة المسائل الأُخرى.
وهنا زلّة أُخرى أو آفة ثانية للفلسفة الغربية الحديثة، فإنّ القوم أدخلوا فيها ما لا يرتبط بها إقحاماً، فترى أنّ كتب الفلسفة صارت تبحث عن المسائل الرياضية والطبيعية، وبذلك خرجت الفلسفة عن مستواها وأصبحت بين طلابها لُغزاً ليس لها عندهم مفهوم واضح.
ولعمر الحق: أنّ للفلسفة الإسلامية في هذه المقامات خطوات كبيرة، وهذه الخطوات فضيلة لا يصح الإغضاء عنها فضلاً عن إنكارها، كيف وقد أخرج المسلمون الفلسفة الإغريقية من مراحل النقص إلى الكمال، وأضافوا إليها أضعافاً مضاعفة، فإنّ ما وصل إلى المسلمين يوم تُرجمت الفلسفة الإغريقية لم يكن أزيد من مائتي مسألة وأصبحت اليوم بين أيديهم تناهز السبعمائة مسألة.
على أنّ لهم أياد بيضاء في إصلاح أُصولها وتوضيح مسائلها وتحليل رموزها وتعليم البرهنة على إثباتها، كل ذلك نتيجة جهود وأتعاب متواصلة، حتى أصبحت المسائل الفلسفية في أيديهم كالمسائل الرياضية، تستنتج ثانيتها من أولاها وثالثتها ممّا تقدمها، وسيتضح لك حقيقة الأمر ومدى تلك الجهود إذا وقفت على أجزاء هذا الكتاب بأجمعها.