responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : نظرية المعرفة (المدخل إلى العلم والفلسفة والالهيات) نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر    جلد : 1  صفحه : 225

ـ بما هو هو ـ نافع، والكذب ـ بما هوهو ـ ضارّ. ولكن اتّصاف الصدق بالنفع، والكذب بالضرر، إنما يختصّ بالكلي منهما، وأمّا في موارد التطبيق فربما ينقلبان فيكون الصدق ضاراً والكذب نافعاً. كما لو أُصيب إنسان بذبحة قلبية، وفي تلك الأثناء مات ولده بحادث ما، فسأل الأب عنه، فإنّ الإخبار عن الحقيقة والواقع ضارّ لأنّه ربما يؤدّي إلى اشتداد أزمته وموته، والكذب والقول بأنّ ولده حي بصحة جيّدة، نافع.

الثاني: إنّ هذا الملاك يختصّ بما يقع في إطار حياة الإنسان العملية، وأمّا الأمور الخارجة عن ذلك الإطار، كالقوانين الفيزيائية والكيميائية والرياضية و...، فإنّ جعل الحقِّ والصائب منها ما كان نافعاً، والباطلِ والخاطئ منها ما كان ضارّاً، بعيد غاية البعد عن التفسير بالواقع.

وإن شئت قلت: إنّ الملاك المذكور يناسب المسائل الأخلاقية والاجتماعية والاعتقادية، فيفسَّر فيها الحق بالنافع، والباطل بالضارّ، لا المسائل العلمية الّتي يدور الصواب والبطلان فيها مدار مطابقة الواقع ومخالفته، كما تقدّم.

نعم، إنّ الذكر الحكيم، عندما يصوِّر نزاع الحق والباطل، ينسب الحق إلى ما ينفع، والباطل إلى ما يضرّ، يقول: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَة أَوْ مَتَاع زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ)[1].

ولكنها لا تناقض ما ذكرناه، وذلك لأنّ الآية في مجال بيان الاعتقادات الدينية، وأنّ الحق منها في نفس المؤمن مثل الماء النازل من السماء، الجاري في الأودية على اختلاف سعتها، وينتفع به الناس وتحيا به قلوبهم، ويمكث فيها الخير والبركة. وأمّا الاعتقادات الباطلة في نفس المشرك، فهي كالزبد الّذي يربو السيل، فإنّه لا يلبث أن يذهب جفاءً ويصير سدىً[2]. وأين هذا من بيان الحق

والباطل في القضايا الشخصية والعلوم؟. ومثلها الحركات الاجتماعية، فالآية تنطبق عليها مثل انطباقها على العقائد.

***

النظرية الثالثة: الحقيقة أمر نسبي لا مطلق

إنّ القائلين بنظرية النسبية في باب المعرفة ينكرون أن تكون الإدراكات البشرية، إدراكات مطلقة، ويصرّون على أنّ الحقيقة تختلف باختلاف الظروف المحيطة بالمدرك، وقد شرحنا نظريتهم عند البحث عن قيمة المعرفة، فلا نعيد.

وعلى ضوء هذا، يقولون: إنّا نصف أحد الأخلاّء في فترة من فترات الرفاقة، بالإخلاص، ونَصِفُهُ في فترة أُخرى بالخيانة. وكلا


[1] الرعد: 17 .
[2] لاحظ الميزان في تفسير القرآن، ج 11، وسنذكر في مباحث إعجاز القرآن من الإلهيات تصويرات أُخرى بديعة لما تفيده الآية.

نام کتاب : نظرية المعرفة (المدخل إلى العلم والفلسفة والالهيات) نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر    جلد : 1  صفحه : 225
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست