الأشتر رحمه الله حينما وجّهه إلى مصر: «... إنّ شرّ وزرائك مَن كان للأشرار قبلك وزيراً، ومن شَرِكهم في الآثام فلا يكوننّ لك بطانةً؛ فإنّهم أعوان الأَثَمَة، وإخوان الظَلَمة...» [1].
وذلك لأنّ الظلم وتحسينه قد صار ملكة ثابتة في أنفسهم لا يمكن التخلّص منه، فهو كالخلق الغريزي اللّازم لتكرارها وصيرورتها عادة [2]، فلا يجوز اختيار هكذا أفراد في الدولة الإسلامية واتّخاذهم بطانة، فإنّ تشكيل الحكومة من هؤلاء يستتبع عواقب وخيمة تعود بالضرر على الدولة [3].
ومن هنا اشترط بعض الفقهاء في صفة الكاتب للحاكم كونه مسلماً [4]؛ لأنّه بطانته وصاحب سرّه، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لزيد بن ثابت: «تعرف السريانيّة؟» قال: لا، قال: «فإنّهم يكتبون لي، ولا احبّ أن يقرأ كتبي كلّ واحد، فتعلّم السريانيّة» [5]، قال زيد: فتعلّمتها في نصف شهر، فكنت أقرأ بما يرد عليه، وأكتب الجواب عنه [6].
ولا ينحصر هذا الحكم بالكاتب، بل يشمل كلّ من يطّلع على أسرار المسلمين كالسفراء، فينبغي لحاكم المسلمين أن لا يتّخذ بطانة في الحرب إلّامن كان ذا ديانة وأمانة [7]، فإذا أراد إنفاذ رسول لرسالته اختار مسلماً، بلا خلاف في ذلك [8].
كما أنّه يشترط في عامل الزكاة الإسلام إجماعاً؛ لأنّ الكافر ليس أهلًا للبطانة والأمانة [9]؛ ولذا قال بعضهم: لا يجوز الوقف على الكافر؛ لأنّه إنّما ينشأ من المحبّة والمودّة، والآيتان [10] صريحتان في النهي عن البطانة والمحبّة للكافر [11].
وزاد بعضهم: أنّ «اتّخاذ غير
[1] نهج البلاغة: 430، الكتاب 53. [2] شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد) 17: 42. [3] دراسات في نهج البلاغة: 76. [4] المبسوط 5: 466. السرائر 2: 175. المسالك 13: 396. [5] انظر: المستدرك (الحاكم) 3: 422. [6] المبسوط 5: 466. [7] كشف الغطاء 4: 334. [8] انظر: التذكرة 9: 92. [9] التذكرة 5: 277. [10] آل عمران: 118. الممتحنة: 1. [11] الحدائق 22: 194.