أي أحدثوها من عند أنفسهم ونذروها، «مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ»، أي لم نفرضها عليهم ولكنّهم ابتدعوها، «إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ» فهو استثناء منقطع» [1].
ومراده أنّه تعالى لم يكتب عليهم ما ابتدعوه، وإنّما كتب عليهم ابتغاء رضوان اللَّه، والبدعة ولو كانت بداعي رضوان اللَّه إلّا أنّها خلاف رضوانه؛ لأنّها تصرّف في سلطانه، وهو قبيح.
وقال العلّامة الطباطبائي: «معناه:
ما فرضناها عليهم، لكنّهم وضعوها من عند أنفسهم؛ ابتغاءً لرضوان اللَّه، وطلباً لمرضاته» [2].
وقال الشيخ الطبرسي: «قال الزجّاج: ...
فاتّخذوا أسراباً وصوامع وابتدعوا ذلك، فلمّا ألزموا أنفسهم ذلك التطوّع ودخلوا عليه لزمهم تمامه»، ثمّ قال الزجّاج:
«وقوله: «فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا»، على ضربين: أحدهما: أن يكونوا قصّروا فيما ألزموه أنفسهم، والآخر- وهو الأجود-:
أن يكونوا حين بُعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يؤمنوا به، [و] كانوا تاركين لطاعة اللَّه، فما رعوا تلك الرهبانية حقّ رعايتها، ودليل ذلك قوله: «فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ» يعني الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، «وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ» [3]، أي كافرون» [4].
والأخبار أيضاً بهذا المعنى الذي ذكر للبدعة كثيرة، كمكاتبة محمّد بن عبد اللَّه بن جعفر الحميري إلى صاحب الزمان عليه السلام يسأله عن سجدة الشكر بعد الفريضة، فإنّ بعض أصحابنا ذكر أنّها بدعة، فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة؟ وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب عليه السلام:
«سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها، [أي: من آكدها] ولم يقل: إنّ هذه السجدة بدعة إلّامن أراد أن يحدث في دين اللَّه بدعة...» [5]، وغيرها [6].
ومن الواضح عدم صدق هذا المعنى على موارد العمل بشيء من باب الاحتياط
[1] تفسير غريب القرآن (الطريحي): 102. [2] الميزان 19: 173. [3] الحديد: 27. [4] مجمع البيان 5: 243. [5] الوسائل 6: 490، ب 31 من التعقيب، ح 3. [6] الوسائل 7: 400- 401، ب 49 من صلاة الجمعة، ح 1، 2.