وأعذر في الأمر: بالغ فيه. وفي المثل:
أعذر من أنذر، يقال ذلك لمن يُحذّر أمراً يخاف، سواء حذّر أو لم يحذّر [1].
إذاً فالإنذار يمكن أن يكون إعذاراً إن كان فيه إثبات الحجّة للمنذر، ودحض حجّة المنذر إذا ما وقع به الضرر.
ثالثاً- حكمة الإنذار:
إنّ حكمة الإنذار واضحة لكلّ من تأمّل فيه، فهو طريق لإصلاح المجتمع وصيانته من الانحراف. وقد أشارت النصوص الكثيرة إلى هذه الحكمة:
منها: قوله سبحانه وتعالى: «وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» [2].
ومنها: قوله تعالى: «أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» [3].
قال الشيخ الطوسي عند تفسيره هذه الآية: «إنّ اللَّه تعالى أرسل هذا الرسول مع هذا الذكر، وأراد إنذاركم، وغرضه أن تتّقوا معاصيه؛ لكي يرحمكم ويدخلكم الجنّة ونعيم الأبد» [4].
وقال السيّد الطباطبائي: «والمعنى لغرض أن ينذركم الرسول، ولتتّقوا أنتم، ويؤدّي ذلك إلى رجاء أن تشملكم الرحمة الإلهية» [5].
ومنها: قوله تعالى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِم مُنذِرِينَ* فَانظُرْ كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ* إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» [6].
قال الشيخ الطوسي مفسّراً الآية:
«أقسم أنّه أرسل فيهم منذرين من الأنبياء والرسل يخوّفونهم باللَّه ويحذّرونهم معاصيه... والتقدير: أنّ الأنبياء المرسلين لما خوّفوا قومهم فعصوهم ولم يقبلوا منهم أهلكهم وأنزل عليهم العذاب، فانظر كيف كان عاقبتهم» [7]. [1] انظر: لسان العرب 9: 102- 103. المصباح المنير: 398- 399. [2] الأنعام: 51. [3] الأعراف: 63. وانظر: 69. [4] التبيان 4: 439- 440. [5] الميزان 8: 175. [6] الصافّات: 72- 74. [7] التبيان 8: 505.