وَ انْتَصَفْنَا بِهِمْ وَ أَدْرَكُوا الْيَوْمَ مَا فَاتَهُمْ أَمْسِ. قَالَ عَلِيٌّ لِجَارِيَةَ بْنِ قُدَامَةَ وَ كَانَ رَجُلَ تَمِيمٍ بَعْدَ الْأَحْنَفِ «مَا تَقُولُ يَا جَارِيَةُ؟» قَالَ أَقُولُ هَذَا جَمْعٌ حَشَرَهُ اللَّهُ لَكَ بِالتَّقْوَى وَ لَمْ تَسْتَكْرِهْ فِيهِ شَاخِصاً وَ لَمْ تُشْخِصْ فِيهِ مُقِيماً وَ اللَّهِ لَوْ لَا مَا حَضَرَكَ فِيهِ مِنَ اللَّهِ لَغَبَّكَ سِيَاسَتُهُ وَ لَيْسَ[1] كُلُّ مَنْ كَانَ مَعَكَ نَافِعَكَ وَ رُبَّ مُقِيمٍ خَيْرٌ مِنْ شَاخِصٍ وَ مِصْرَاكَ خَيْرٌ لَكَ وَ أَنْتَ أَعْلَمُ.
فَكَأَنَّهُ بِقَوْلِهِ كَانَ مَعَكَ رُبَّمَا كَرِهَ إِشْخَاصَ قَوْمِهِ عَنِ الْبَصْرَةِ[2].
وَ كَانَ حَارِثَةُ بْنُ بَدْرٍ أَسَدَّ النَّاسِ رَأْياً عِنْدَ الْأَحْنَفِ[3] وَ كَانَ شَاعِرَ بَنِي تَمِيمٍ وَ فَارِسَهُمْ فَقَالَ عَلِيٌّ: «مَا تَقُولُ يَا حَارِثَةُ؟» فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّا نَشُوبُ الرَّجَاءَ بِالْمَخَافَةِ وَ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ أَمْوَاتَنَا[4] رَجَعُوا إِلَيْنَا فَاسْتَعَنَّا بِهِمْ عَلَى عَدُوِّنَا وَ لَسْنَا نَلْقَى الْقَوْمَ بِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِهِمْ وَ لَيْسَ لَكَ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَكَ وَ إِنَّ لَنَا فِي قَوْمِنَا عَدَداً لَا نَلْقَى بِهِمْ عَدُوّاً أَعْدَى مِنْ مُعَاوِيَةَ وَ لَا نَسُدُّ بِهِمْ ثَغْراً أَشَدَّ مِنَ الشَّامِ وَ لَيْسَ بِالْبَصْرَةِ بِطَانَةٌ نُرْصِدُهُمْ لَهَا وَ لَا عَدُوٌّ نُعِدُّهُمْ لَهُ.
وَ وَافَقَ الْأَحْنَفَ فِي رَأْيِهِ فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْأَحْنَفِ اكْتُبْ إِلَى قَوْمِكَ فَكَتَبَ الْأَحْنَفُ إِلَى بَنِي سَعْدٍ-
[1] في الأصل:« و ليس كل من كان معك» و التكملة من الإمامة و السياسة لابن قتيبة 1: 75، و قد سقطت منها كلمة« ليس».
[2] في الأصل: فكأنّه كان معك و ربما كره ... الخ»، و الوجه فيما أنبت.
[3] أسد، من سداد الرأى، و هو استتامته و صحته. و في الأصل:« أشد» بالمعجمة، تحريف.
[4] في الأصل:« أمراءنا» و صوابه من الإمامة و السياسة.