و لم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في ذلك البيت و الخروج منه، و ذلك للفراش و العشاء، فقال لها: و اللّه إنّه ليريبني كثرة دخولك هذه الليلة في هذا البيت و خروجك منه فلك شأن فيه؟!فقالت له: يا بني اله عن هذا. قال: و اللّه لتخبرنّي!قالت: أقبل على شأنك و لا تسألني عن شيء!فألحّ عليها. فقالت له: يا بني لا تحدّثن أحدا من الناس بما اخبرك به!و أخذت عليه الأيمان فحلف لها، فأخبرته!فاضطجع و سكت [1] .
و موقف ابن زياد و خطبته:
كانت دار الإمارة في جهة قبلة المسجد الجامع بالكوفة كما هما اليوم، و كانت أصوات أصحاب مسلم تسمع في القصر، و الآن طال سكوتهم، فقال ابن زياد لمواليه: أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا و لعلّهم تحت السقوف قد كمنوا لكم!فأشرفوا فلم يروا أحدا، فحملوا شعل النار و جعلوا يخفضونها بأيديهم فلم يروا أحدا، فشدّوا أحزمة القصب بالحبال و أشعلوا فيها النار و دلّوها إلى المسجد و السقيفة التي فيها المنبر و المحراب فلم يروا شيئا، فأخبروا بذلك ابن زياد.
فأمر كاتبه عمرو بن نافع فنادى: ألا برئت الذمة من رجل من الشرطة و العرفاء و المقاتلة لا يصلّي العتمة (العشاء) في المسجد!فلم يكن إلاّ ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس!
و كان أمير شرطه الحصين بن تميم التميمي حاضرا فقال له: لو يصلّي بهم غيرك فإنّي لا آمن أن يغتالك بعض أعدائك!فقال ابن زياد: مر حرسي فليقفوا ورائي و در أنت عليهم. ثمّ فتحوا باب القصر إلى سدّة المسجد فخرجوا به إليه فصلّى بالناس، ثمّ صعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال:
[1] تاريخ الطبري 5: 371 عن أبي مخنف، و الإرشاد 2: 54-55.