و دخل ابن زياد و جلس إلى شريك و أخذ يسائله عن شكواه و عن وجعه و ما الذي يجد، و طال تساؤله له. و رأى شريك أن مسلما لم يخرج فخشى أن تفوته الفرصة فأخذ يكرّر مرّتين أو ثلاثا: «ما تنظرون بسلمى أن تحيّوها» اسقنيها و إن كانت نفسي فيها!
فالتفت ابن زياد إلى هانئ و سأله: ما شأنه؟أترونه يهجر؟
فاغتنمها هانئ و أجابه: نعم!أصلحك اللّه!ما زال هذا ديدنه منذ قبيل عماية الصبح حتّى هذه الساعة!فقام ابن زياد و انصرف.
و خرج مسلم، فسأله شريك: ما منعك من قتله؟فقال مسلم: خصلتان:
أمّا أحدهما: فكراهة هانئ أن يقتل في داره!
و أمّا الأخرى: فحديث حدّثه الناس عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ الإيمان قيد الفتك؛ و لا يفتك مؤمن» [1] .
فقال هانئ: أما و اللّه لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا غادرا!و لكن كرهت أن يقتل في داري.
و لبث شريك بعد ذلك ثلاثا ثمّ مات، فصلّى عليه ابن زياد.
فما مكث إلاّ جمعة حتى مرض هانئ، و بلغ خبره إلى ابن زياد فأرسل إليه:
إني رائح إليك العشيّة (قبيل المغرب) هذا و مسلم و مرافقه عمارة بن عبيد السلولي معه في دار هانئ، و حيث رأى عمارة أنّ المانع من قتل ابن زياد هو هانئ و كان
[1] تاريخ الطبري 5: 361 عن أبي مخنف عن جبر بن نوف الهمداني يروي خبر الحارثي الهمداني، و رجّحنا أن يكون مرض هانئ بعد مرض شريك لا قبله، و أن يكون الخبر مضطربا في ترتيب الذكر. و في تمام الخبر: أن ابن زياد إنما بلغه خبر مؤامرتهم عليه بعد قتل مسلم و هانئ، فلم يصلّ على عراقي بعد شريك، و ترك نبش قبره خوفا من نبش قبر أبيه!