فبقوا على هذا أياما كثيرة [1] يبكون بالليل و النهار و يدعون اللّه أن يغفر لهم.
فلما طال عليهم الأمر قال لهم كعب: يا قوم، قد سخط اللّه علينا و رسوله و اهلونا و إخواننا فلا يكلمنا أحد، فلم لا يسخط بعضنا على بعض؟فحلفوا أن لا يكلم أحد منهم صاحبه حتى يموت و تفرّقوا في الليل و بقوا على هذه ثلاثة أيام، كل واحد منهم في ناحية من الجبل لا يرى أحد منهم صاحبه و لا يكلّمه. و في الليلة الثالثة كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في بيت أمّ سلمة، اذ نزلت توبتهم على رسول اللّه قوله: لَقَدْ تََابَ اَللََّهُ...[2] .
و نقل الطوسي في «التبيان» عن مجاهد و قتادة عن ابن عباس و عن جابر
[1] و في خبر كعب في السيرة 4: 178 و 179 و 180 و مغازي الواقدي 2: 1051 و 1052 و 1053 و في التبيان 5: 296 عن مجاهد و قتادة و عنه في مجمع البيان 5: 105 جاء: خمسين ليلة.
[2] و فصّله الواقدي عن أمّ سلمة قالت: قال لي رسول اللّه ليلا: يا أمّ سلمة، قد نزلت توبة كعب بن مالك و صاحبيه!فقلت: يا رسول اللّه الا ارسل إليهم فابشّرهم؟!فقال: لا، لا يرون حتى يصبحوا.
فلمّا صلّى رسول اللّه الصبح أخبر الناس بتوبة اللّه على هؤلاء النفر: كعب بن مالك و مرارة بن الربيع و هلال بن أميّة من بني عبد الأشهل، و كان قد وافى لصلاة الصبح من بني عبد الأشهل الأخوان أبو نائلة سلكان و سلمة ابنا سلامة بن وقش، فانطلقا الى مرارة فأخبراه. و خرج أبو الأعور سعيد بن زيد الى هلال ببني واقف، فلمّا بشّره سجد و بكى و كان بكاؤه بالسرور أكثر منه بالحزن!ثم قام فما استطاع المشي لما فيه من الضعف فركب حمارا.
و خرج الزبير على فرسه الى بطن الوادي (عن الواقدي) و سعى ساع من بني أسلم حتى أوفى على جبل سلع فبلغني صوته قبل الراكب، فلما جاءني لم أكن املك يومئذ سوى ثوبين عليّ فنزعتهما و كسوتهما اياه بشارة، و استعرت ثوبين لنفسي و انطلقت الى رسول اللّه (السيرة) و قال الواقدي: انّ الذي وافى كعبا على سلع هو أبو بكر، و لم يرو قصة الثوبين!2: 1053.