نام کتاب : تاريخ مدينة دمشق نویسنده : ابن عساكر جلد : 50 صفحه : 255
أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبّان ، فلما أصحر تنفس ، ثم [١] قال : يا كميل ، إن هذه القلوب أوعية ، فخيرها أوعاها ، احفظ عني ما أقول لك ، الناس ثلاثة : عالم ربّاني ، ومتعلّم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق غاو ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق ، يا كميل العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والعلم يزكو على الانفاق والمال تنقصه النفقة ، يا كميل محبة العالم دين يدان به في كسبه العلم لذته في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته ، ونفقة المال تزول بزواله ، والعلم حاكم والمال محكوم عليه ، يا كميل مات خزّان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة ، إنّ هاهنا لعلما ـ وأشار إلى صدره ـ لو أصبت له حملة ، ثم قال : اللهم بل أصبته لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين في الدنيا ، ويستظهر بحجج الله على أوليائه ، وبنعمه على كتابه ، أو منقادا لجملة الحق على أن لا بصيرة له في إحيائه [٢] يقدح الزيغ في قلبه بأول عارض من شبهة ، اللهم لا ذا ولا ذاك أو منهوما باللذّات ، سلس القياد في الشهوات ، ومغرما بالجمع والادخار ، وليسا من دعاة [٣] الدين أقرب شبها بهما الأنعام السائمة ، وكذلك يموت العلم بموت حملته ، ثم قال : اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجة ، إما ظاهر مستور [٤] ، وإما خائف مغمور ، لأن لا تبطل حجج الله وبيناته فيكم ، وأين أولئك؟ الأقلّون عددا ، الأعظمون قدرا ، بهم يحفظ الله حججه حتى يودعوها نظراءهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر ، فباشروا روح اليقين ، واستسهلوا ما استوعر المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأرواح معلّقة بالمحل [٥] الأعلى ، يا كميل ، أولئك خلفاء الله في أرضه ، الدعاة إلى دينه ، هاه شوقا إلى رؤيتهم ، أستغفر الله لي ولك.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن شجاع ، أنبأنا أبو عمرو بن مندة ، أنبأنا أبو محمّد بن يوة ، أنبأنا أبو الحسن اللنباني [٦] ، حدّثنا ابن أبي الدنيا ، حدّثني عبد الرّحمن بن صالح ، حدّثنا أبو بكر بن عيّاش عن الأعمش قال :
[١] موعظة الإمام علي بن أبي طالب لكميل في نهج البلاغة ٤٩٥ وحلية الأولياء ١ / ٧٩ وصفة الصفوة ١ / ١٢٧ وبعضه في عيون الأخبار ٢ / ١٢٠.