وهو ، أيضا ، منكر في المعنى ، كما مرّ في باب المعرفة [١] ؛ لداع [٢] لهم إلى ذلك ، وهو أنهم غلّبوا تأخير هذا المبتدأ عن
الخبر ليحصل به التفسير بعد الإبهام ، إذ له في النفوس وقع ، فأوردوا الفاعل في
صورة المعرفة وإن كان نكرة في الحقيقة ، ليكون الكلام المفيد للمدح أو الذم في
الظاهر مصوغا على وجه لا ينكر ، لأن مدح شخص منكور من الأشخاص أو ذمّه ، لا فائدة
فيه ، فبتوا أمر المدح والذم من أول الأمر ، على وجه يصح في الظاهر ، والجملة
الفعلية ، كما ذكرنا في تقدير مفرد ، وهو الفاعل الموصوف بالفعل ، وذلك لأنه سلب
من الفعل معنى الزمان والحدوث ، فصار معنى نعم : جيّد ، فكأنّه صفة مشبهة ، ومجوّز
ذلك كون جميع الأفعال في المعنى ، صفات لفاعليها ، فصار نعم الرجل ، كجرد قطيفة [٣] ؛
ولا يقال : ان
ما ذكرت ، قريب من دعوى علم الغيب [٤] ، فإن [٥] الأصول تدعو إليه ، وذلك لأنه تقرر بالدليل أن المخصوص
مرتفع بالابتداء ، ما بعده خبره ، لا خبر مبتدأ مقدر ، إذ لو كان خبر مبتدأ مقدر ،
لم تدخل نواسخ الابتداء عليه مقدما على فعل المدح أو الذم ، ومؤخرا عنه ، نحو :
كنت نعم الرجل ؛ و :
[٦] من معلقة زهير بن
أبي سلمى في الجزء الذي يذكر فيه ما فعله هرم بن سنان المري والحارث بن عوف في
الصلح بين عبس وذبيان. وأراد بالسحيل والمبرم : الأمور السهلة والصعبة المعقدة.
وقد أطلب زهير في الحديث عن هذه القصة في معلقته ؛