و منه قول البحتري
هل الشباب ملم بي فراجعة # أيامه لي في أعقاب أيامي [1]
لو أنه نائل غمر يجاد به # إذن تطلبته عند ابن بسطام .
و منه قول المتنبي و هو يتغزل بأعرابية و يصف بخلها و جبنها و قلة مطعمها و هذه كلها من الصفات الممدوحة في النساء خاصة [2]
في مقلتي رشأ تديرهما # بدوية فتنت بها الحلل [3]
تشكو المطاعم طول هجرتها # و صدودها و من الذي تصل
ما أسأرت في القعب من لبن # تركته و هو المسك و العسل
قالت إلا تصحو فقلت لها # أعلمتني أن الهوى ثمل
لو أن فناخسر صبحكم # و برزت وحدك عاقه الغزل [4]
و تفرقت عنكم كتائبه # إن الملاح خوادع قتل
ما كنت فاعلة و ضيفكم # ملك الملوك و شأنك البخل
أ تمنعين قرى فتفتضحي # أم تبذلين له الذي يسل
بل لا يحل بحيث حل به # بخل و لا جور و لا وجل.
و هذا من لطيف التخلص و رشيقه و التخلص مذهب الشعراء و المتأخرون يستعملونه كثيرا و يتفاخرون فيه و يتناضلون فأما التخلص في الكلام المنثور فلا يكاد يظهر لمتصفح الرسالة أو الخطبة إلا بعد تأمل شديد و قد وردت منه مواضع في القرآن العزيز فمن
[1] المثل السائر 2: 265.
[2] ديوانه 3: 301؛ من قصيدة يمدح فيها ركن الدولة.
[3] الرشأ: ولد الظبية الصغير. و الحلل: جمع حلة؛ و هي القوم المجتمعون في بيوت مجتمعة للنزول.
و البدوية: الساكنة البدو.
[4] فناخسر؛ هو اسم عضد الدولة. و صبحكم: أتاكم صباحا للغارة.