الظاهر، و مضمون تلك الأخبار جعل الاستحباب حكما له في الظاهر. و أمّا تنزيل هذا الدليل المعتبر منزلة القطع في عدم جواز العمل بتلك الأخبار في مقابله فهو ضعيف جدّا، لأنّ الأخبار المتقدّمة من جهة اختصاصها- كالفتاوى- بغير صورة القطع لا تجري في صورة القطع، فكأنّ الشارع قال: «إنّ من بلغه الثواب على عمل و لم يقطع بكذبه فيستحبّ له ذلك العمل» و الدليل المعتبر إنّما هو بمنزلة القطع بالنسبة إلى الأحكام المترتّبة على صفة القطع، كيف، و لو كان كذلك لا يحسن الاحتياط مع وجود الدليل المعتبر، لأنّه بمنزلة القطع الّذي لا احتياط معه. و كذا لو نذر أحد أن يصوم ما دام قاطعا بحياة زيد، فزال قطعه بها مع دلالة الدليل المعتبر- كالاستصحاب أو البيّنة- عليها، فإنّه لا ينبغي التأمّل في عدم وجوب الصوم.
و السرّ في ذلك كلّه: أنّ الشارع نزّل المظنون بالأدلّة المعتبرة منزلة الواقع المقطوع به، فيترتّب عليه آثار الواقع، و نزّل المحتمل المقابل للمظنون بمنزلة غير الواقع المقطوع بعدمه، لا أنّه نزّل صفة الظنّ منزلة صفة القطع و نزّل نفس الاحتمال المرجوح منزلة القطع بالعدم، فالتنزيلات الشرعيّة في الأدلّة الغير العلميّة بالنسبة إلى المدرك، لا الإدراك، فالتسامح و الاحتياط و عدم وجوب الصوم في الأمثلة المذكورة تابعة لنفس الاحتمال، و عدم القطع لا يرتفع بما دلّ على اعتبار الأدلّة الظنّيّة، و لذا لا ينكر الاحتياط مع قيام الأدلّة المعتبرة.
و العجب ممّن أنكر التسامح في المقام مع أنّه تمسّك لإثباته بقاعدة الاحتياط! فالتحقيق: أنّه لا إشكال في التسامح في المقام من باب الاحتياط، بل هو إجماعيّ ظاهرا. و أمّا من باب الأخبار: فمقتضى إطلاقها ذلك أيضا، أنّ يدّعى انصرافها إلى غير ذلك، و لا شاهد عليه، فيقع التعارض بين هذه الأخبار و أدلّة حجّيّة ذلك الدليل المعتبر، لا نفسه، لاختلاف الموضوع، و مقتضى القاعدة و إن كان هو التساقط، إلّا أنّ الأمر لمّا دار بين الاستحباب و غيره و صدق بلوغ