وَ نَتَقَدَّمُهُ قَالُوا: اصْنَعْ مَا ذَكَرْتَ، فَقَالَ: قَدْ فَكَّرْتُ فِي شَيْءٍ عَجِيبٍ نَقْتُلُ بِهِ مُحَمَّداً وَ لَا يَشْعُرُ بِنَا أَحَدٌ، فَقَالُوا: صِفْ لَنَا مَا أَنْتَ صَانِعٌ فَقَالَ لَهُمْ نُكِبُّ هَذِهِ الدِّبَابَ الَّتِي فِيهَا الزَّيْتُ وَ الْخَلُّ، وَ نُلْقِي فِيهَا الْحَصَى وَ نَقِفُ فِي ذِرْوَةِ الْعَقَبَةِ فَإِذَا أَحْسَسْنَا بِمُحَمَّدٍ يَرْقَى الْعَقَبَةَ، دَحْرَجْنَا الدِّبَابَ فِي هَذِهِ الظُّلْمَةِ مِنْ ذِرْوَةِ الْعَقَبَةِ، فَتَنْحَطُّ عَلَى وَجْهِ النَّاقَةِ فِي الْجَادَّةِ، لَهَا دَوِيٌّ فَتَذْعَرُ النَّاقَةُ فِي الْجَادَّةِ فَتَرْمِي مُحَمَّداً فَيَتَقَطَّعُ مَعَ نَاقَتِهِ وَ نَسْتَرِيحُ وَ نُرِيحُ الْعَرَبَ وَ الْعَجَمَ مِنْهُ فَقَدْ أَضَلَّنَا وَ جَمِيعَ الْعَالَمِ بِسِحْرِهِ وَ كَذِبِهِ حَتَّى مَا لِأَحَدٍ مَعَهُ طَاقَةٌ.
قَالُوا نِعْمَ مَا رَأَيْتَ وَ نِعْمَ مَا احْتَلْتَ وَ أَشَرْتَ فَجَاؤُوا إِلَى الْعَقَبَةِ فَقَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالُوا: فَدَيْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِالْآبَاءِ وَ الْأُمَّهَاتِ قَدْ وَصَلْنَا إِلَى الْعَقَبَةِ فَنَحْنُ نَقِيكَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ مَحْذُورٍ، ائْذَنْ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَ فَنَرْقَى هَذِهِ الْعَقَبَةَ الصَّعْبَةَ وَ نَسْتَهِلَ طَرِيقَهَا وَ نَلْقَى رُصْدَانَ الْمُشْرِكِينَ فِي ذِرْوَتِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ) امْضُوا لِشَأْنِكُمْ وَ اللَّهُ شَاهِدٌ عَلَى مَا تَقُولُونَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ- وَ قَدْ تَوَلَّى إِلَى الْعَقَبَةِ- وَيْحَكَ يَا عُمَرُ سَمِعْتَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ وَ إِنِّي لَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ بِمَا أَسْرَرْنَا فَنَهْلِكَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَا تَزَالُ خَائِفاً وَجِلًا مَرْعُوباً حَتَّى كَأَنَّ مَا أَتَيْنَا بِهِ لَيْسَ بِحَقٍّ خَلِّ عَنِ الصُّعُودِ، فَأَنَا أَتَقَدَّمُكَ وَ الْجَمَاعَةَ.
قَالَ فَتَقَدَّمَ عُمَرُ وَ تَلَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ وَ تَلَاهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَ تَلَاهُ أَبُو عُبَيْدِ بْنُ الْجَرَّاحِ وَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَ أَبُو مُوسَى وَ صَارُوا فِي ذِرْوَةِ الْعَقَبَةِ وَ كَبُّوا مَا كَانَ فِي دِبَابِهِمْ مِنَ الزَّيْتِ وَ الْخَلِّ وَ طَرَحُوا فِيهَا الْحَصَى وَ كَبَّرُوا وَ صَاحُوا يَا مَعَاشِرَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ خَبِّرُوا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي ذِرْوَةِ الْعَقَبَةِ وَ لَا فِي ظَهْرِ الْجَبَلِ رَصَدَةٌ وَ لَا غَيْرُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ فَصَعِدَ وَ هُمْ يَرَوْنَ مِنْ ذِرْوَةِ الْعَقَبَةِ ضِيَاءَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) كَدَارَةِ الْقَمَرِ يَجْلُو ذَلِكَ اللَّيْلَ فَقَالَ أَبُوبَكْرٍ: وَيْحَكَ يَا عُمَرُ، مَعَ مُحَمَّدٍ مِصْبَاحٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: مَا هَذَا الضِّيَاءُ الَّذِي قَدْ أَضَاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ حَوْلَهُ؟ فَقَالَ: شَيْءٌ مِنْ سِحْرِهِ الَّذِي نَعْرِفُهُ فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ يَتَوَارَى فَلَمَّا