و قال عبد اللّه بن عمر: مرّ علينا رسول
اللّه 6 و نحن نعالج خصّا، فقال 6: ما هذا؟ قلنا: خصّ لنا قد وهى، فقال: أرى الأمر أعجل من ذلك.
و قال
الغزالي: و قال النّبيّ 6 من بنى فوق ما يكفيه كلّف أن يحمله
يوم القيامة، هذا.
و لمّا فرغ
من التزهيد في الدّنيا و التّرغيب في الآخرة بالتّنبيه على هوانها و حقارتها بما
لا مزيد عليه، و بشرح حال أولياء الدّين من خاتم النّبيّين و ساير الأنبياء و
المرسلين سلام اللّه عليهم أجمعين في رفضهم لها و تركهم ايّاها، أردف ذلك بالاشارة
إلى زهده و إظهار غاية الامتنان من اللّه سبحانه في إنعامه عزّ و جلّ عليه 7 بالتّأسّي بنبيّه فقال: (فما أعظم نعمة اللّه عندنا حين أنعم علينا
به) أى برسول اللّه 6 (سلفا نتّبعه و
قائدا نطا عقبه) و نقفو أثره و نسلك سبيله في زهده.
و أوضح
اتّباعه و تأسّيه به 6 بالاشارة إلى بعض مراتب زهده فانّه
أنموذج من ساير المراتب، و فيه عبرة لمن اعتبر، و كفاية لمن تذكّر، فقال: (و اللّه
لقد رقعت مدرعتى هذه) و هو ثوب من صوف يتدرّع به (حتّى استحييت من
راقعها) لكثرة رقاعها (و لقد قال لي قائل) لمّا رأى أنّها خلق
و سمل (ألا تنبذها) و تطرحها (عنك فقلت) له (اعزب) أى غب و
تباعد (عنّي فعند الصّباح يحمد القوم السّرى) و هو مثل يضرب لمن
احتمل المشقّة عاجلا لينال الرّاحة آجلا.
و أصله أنّ
المسافر إذا احتمل المشقّة و حرّم على نفسه لذة الرّقاد و بادر إلى السّرى من أوّل
اللّيل و جدّ في سيره فانّه يبلغ عند الصّباح منزله و يصل إليه سالما غانما و ينزل
أحسن المنازل و أشرفها مقدّما على غيره، و يستريح من تعب اللّيل و يكون محمودا،
بخلاف من أخذه نوم الغفلة و آثر اللّذة العاجلة على الآجلة، فانّه إذا سرى في آخر
اللّيل و في اخريات النّاس فانّه ربما يغيله اللّصوص فلا يسلم أو يضلّ؟؟؟ عن
الطّريق فيعطب، و مع سلامته يكون مسيره في حرّ النّهار على و صب و تعب، فيصل إلى
المنزل بعد ما سبق غيره إلى أحسنه و أشرفه، فلا يجد له منزلا و مقيلا إلّا أردء
المنازل و أدونها، فعند ذلك يلوم نفسه بتفريطه، و يذمّه غيره و يندم