و بهذا
التّقرير انقدح لك وجه المطابقة بين المثال و الممثّل.
بيانه أنّ
ذلك النشأة المشوبة بالكدورات و العلايق الظّلمانية البدنيّة بمنزلة اللّيل، و
النّشأة الاخرويّة المطابقة لتلك النشأة الّتي هى دار التجرّد الصّافية عن
الكدورات و العلاقات بمنزلة الصّباح الواقع عقيب اللّيل، و الوطن الأصلي للانسان
هى الدّار الآخرة، و هو في الدّنيا بمنزلة المسافر، فمن ترك الدّنيا وجدّ في
السّير إلى الآخرة بالمواظبة على الطّاعات و الرّياضات الشّاقّة الموصلة له إليها
وصل إلى مقصده، و نزل في غرفات الجنان، و فيهنّ خيرات حسان فعند ذلك يكون محمودا
مسرورا عند نفسه و عند الخالق و الخلايق لما صبر على مشاقّ الدّنيا و مقاساة
الشّدائد.
و من أخذه
نوم الغفلة فيها و اغترّ باللّذات الحاضرة و الشهوات العاجلة، و رد الآخرة و ليس
له مقام إلّا سجّين، و لا شراب و طعام إلّا من حميم و غسلين، فعند ذلك يلومه نفسه
و غيره و يندم على تقصيره، و يقعد ملوما محسورا و يدعو ثبورا
تذييلان
-
الاول
قد مضى في
مقدّمات شرح الخطبة الشقشقيّة و في غيرها بعض الكلام في زهد أمير المؤمنين 7، و أقول هنا مضافا إلى ما سبق:
روى في عدّة
الدّاعي عن خبير بن حبيب قال: نزل بعمر بن خطّاب نازلة قام لها و قعد، و تربخ لها
و تقطر[1] ثمّ قال:
يا معشر المهاجرين ما عندكم فيها قالوا: يا أمير المؤمنين أنت المفزع و المنزل،
فغضب و قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا
قَوْلًا سَدِيداً، أما و اللّه إنّا و إيّاكم لنعرف ابن بجدتها[2]
و الخبير
[1] تربخ بالباء الموحدة و الخاء المعجمة استرخى، و تقطر تهيأ
للقتال و رمى بنفسه من علو، ق.
[2] ابن بجدتها بالباء و الجيم يقال: بالعالم بالشىء، و للدليل
الهادى، و لمن لا يبرح عن قوله هكذا فى ق