(و رضاه أمان و رحمة) أى أمان من
النّار و رحمة للأبرار إذ رضوانه سبحانه
مبدء كلّ منحة و نعمة، و منشاء كلّ لذّة و بهجة كما قال تعالى:
وَ
رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ.
(يقضى
بعلم) أى يحكم بما يحكم به لعلمه بحسن ذلك القضاء و اقتضاء الحكمة و العدل
له و هو كالتفسير لقوله: أمره قضاء و حكمة، كما أنّ قوله (و يعفو
بحلم) بمنزلة التّفسير لقوله: و رضاه أمان و رحمة، لأنّ العفو يعود
إلى الرّضا بالطّاعة بعد تقدّم الذّنب، و إنّما يتحقّق العفو مع القدرة على العقاب
إذ العجز عن الانتقام لا يسمّى عفوا فلذلك قال: يعفو بحلم، يعني أنّ
عفوه لكونه حليما لا يستنفره الغضب.
ثمّ أثنى
عليه تعالى بالاعتراف بنعمه فقال (اللّهمّ لك الحمد على ما تأخذ و تعطى و
على ما تعافي و تبتلى) أى على السّرّاء و الضّرّاء و الشّدة و الرّخاء، و قد
تقدّم تحقيق معنى الأخذ و الاعطاء، و وجه استحقاق اللّه سبحانه للحمد بهذين
الوصفين في شرح الخطبة المأة و الثّانية و الثّلاثين، و وجه استحقاقه للحمد على
البلاء و الابتلاء هناك أيضا مضافا إلى شرح الخطبة المأة و الثّالثة عشر.
و أقول هنا
زيادة على ما تقدّم: إنّه قد ثبت في علم الأصول أنّ اللّه عزّ و علا الغنيّ المطلق
عمّا سواه و المتعالى عن الحاجة إلى ما عداه، بل غني كلّ مخلوق بجوده، و قوام كلّ
موجود بوجوده، فاذا جميع ما يصدر عنه سبحانه في حقّ العباد من الأخذ و الاعطاء و
المعافاة و الابتلاء و الافتقار و الاغناء ليس الغرض منها جلب منفعة لذاته أو دفع
مضرّة عن نفسه، بل الغرض منها كلّها مصالح كامنة للمكلّفين و منافع عائدة إليهم
يعلمها سبحانه و لا نعلمها إلّا بعضا منها ممّا علّمنا اللّه سبحانه بالقوّة
العاقلة أو بتعليم حججه، فكم من فقير لا يصلحه إلّا الفقر و لو استغنى لطغى، و كم
من غنيّ لا يصلحه إلّا الغنى و لو افتقر لكفر، و ربّ مريض لو كان معتدل المزاج لا
نهمك في الشّهوات و اقتحم في الهلكات، و كأيّن من صحيح البنية لو مرض