أمّا الأوّل فلأنّ التقوى تحرز من اتّقى
في الدّنيا من الرّذايل المنقصة و القبايح الموقعة له في الهلكات و المخازى، و في
الآخرة من النار و غضب الجبّار كالحصن الحصين الذي يحرز متحصّنه من المضارّ و
المكاره.
و أما الثاني
فلأنّ الفجور يوقع الفاجر في الدّنيا في المعاطب و المهالك و لا ينجيه في الآخرة
من العذاب الأليم و السخط العظيم، فهو بمنزلة دار غير وثيق البنيان منهدم الحيطان
و الجدران (لا يمنع أهله و لا يحرز من لجأ إليه) و من تحصّن بدار
كذلك ليكوننّ ذليلا مهانا لا محالة.
التشبيه
المضمر- استعارة بالكناية- استعاره تخييلية- استعاره مرشحة (ألا و بالتّقوى
تقطع حمة الخطايا) التشبيه المضمر في النفس للخطايا بالعقارب أو بذوات
السموم من الحيوان استعارة بالكناية و ذكر الحمة تخييل و القطع ترشيح
و المراد أنّ بالتقوى يتدارك و ينجبر سريان سمّ الخطايا و الآثام
في النفوس الموجب لهلاكها الأبد كما يقطع سريان سموم العقارب و الأفاعي في الأبدان
بالباد زهر و الترياق و يمنع من نفوذها في أعماق البدن بقطع العضو الملدوغ من موضع
اللّدغ، و على رواية حمة بالتشديد فالمقصود أنّ بها تدفع شدّتها و ترفع.
و لمّا نبّه
على كون التقوى حاسمة لمادّة الخطايا، و كان بذلك إصلاح القوّة العمليّة نبّه على
ما به يحصل إصلاح القوّة النّظرية أعني اليقين فقال: (و باليقين تدرك
الغاية القصوى) و إدراكها به لأنّ الانسان إذا كملت قوّته النّظريّة باليقين و قوّته
العمليّة بالتّقوى، بلغ الغاية القصوى من الكمال الانساني البتّة.
ثمّ عاد 7 إلى تحذير العباد تأكيدا للمراد فقال: (عباد اللّه اللّه
اللّه) أى راقبوه سبحانه و اتّقوه تعالى (في أعزّ الأنفس
عليكم و أحبّها إليكم) الظّاهر أنّ المراد بأعزّ الأنفس عليهم
نفسهم، إذ كلّ أحد يحبّ نفسه بالذّات و لغيره بالعرض و التّبع، و لذلك قال سبحانه: