يهتدي به في ظلمات طريق الآخرة بل إنّما
يحصل على أغطية من الهيئات البدنيّة و أغشية متحصّلة من الاشتغال بزخارف الدّنيا
حاجبة له عن نور البصيرة فلأجل ذلك يكون قد (تحيّر في
الظّلمات) و تاه فيها
(و ارتبك) أى اختلط
(في الهلكات) لا يكاد يتخلّص منها
(و مدّت به شياطينه في طغيانه و زينت له سىّء أعماله)
كما قال عزّ من قائل:
يعني أنّ
الّذين اتّقوا اللّه باجتناب معاصيه إذا طاف عليهم الشّيطان بوساوسه تذكّروا ما
عليهم من العقاب بذلك فيجتنبوه و يتركونه فاذاهم مبصرون للرّشد، و إخوان المشركين
من شياطين الجنّ و الانس يمدّونهم في الضّلال و المعاصى و يزيدونهم فيه و يزينون
ما هم فيه ثمّ لا يقصرون لا يكفّون الشّياطين عن استغوائهم و لا يرحمونهم و قيل:
معناه و إخوان الشّياطين من الكفّار يمدّهم الشّياطين في الغىّ ثمّ لا يقصرون هؤلاء
مع ذلك كما يقصر الّذين اتّقوا، هكذا في مجمع البيان.
ثمّ ذكر غاية
وجود الانسان و قال: (فالجنّة غاية السّابقين و النّار غاية المفرطين) و كفى بالجنّة نعمة لمن
طلب، و كفى بالنّار نقمة لمن هرب، و تخصيص الجنّة بالسّابقين
و النّار بالمفرطين تنبيها على فضيلة السّبق و رذيلة التّفريط بتقوى الباعث
على طلب أشرف الغايتين و الهرب من أخسّهما.
و لمّا كان
السّبق إلى الجنّة و النّجاة من النّار لا يحصل إلّا بالتّقوى و بالكفّ عن
الفجور أردفه بذكر ثمرات هذين الوصفين و شرح ما يترتّب عليهما من الفضايل و
الرّذائل فقال: (اعلموا عباد اللّه أنّ التّقوى دار حصن عزيز و الفجور دار حصن
ذليل) قال الشّارح المعتزلي: أى دار حصانة، فأقيم الاسم مقام المصدر هذا و
نسبة العزّة و الذّلّة إلى الدّار من التّوسّع باعتبار عزّة من تحصّن بالأوّل و
ذلّة من تحصّن بالآخر