أحدهما أنه دليل للحامد على آلائه سبحانه
أى على الفوز بها إذ الحمد و الشّكر سببان للوصول إلى النّعم موجبان لزيادتها
حسبما عرفت آنفا، و أنّها منه دون غيره، فمن حمد له تعالى فقد اهتدى بحمده إلى نيل
نعمه.
و ثانيهما
أنّ الحمد للّه تعالى دليل على أنّه صاحب الآلاء و النّعم إذ الحمد لا يليق إلّا
بوليّ النّعمة، و لعلّ الثاني أظهر.
و أمّا كونه
دليلا على عظمته فلدلالته على عدم تناهي قدرته و عدم نفاد ملكه و خزائنه إذ كلّما
ازداد الحمد ازدادت النّعمة لا يزيده كثرة العطاء إلّا كرما وجودا فسبحان من لا
تفنى خزائنه المسائل، و لا تبدل حكمته الوسائل.
و لمّا فرغ
من حمد اللّه سبحانه شرع في التّذكير و الموعظة فقال تشبيه المعقول بالمعقول-
تشبيه مفصل (عباد اللّه إنّ الدّهر يجري بالباقين كجريه بالماضين) يعني أنّ
جريانه بالأخلاف كجريانه بالأسلاف قال الشّاعر:
فما الدّهر إلّا كالزمان الّذي مضى
و لا نحن إلّا كالقرون الأوائل
و هو من
تشبيه المعقول بالمعقول، إذ الجرى أمر عقلاني غير مدرك باحدى الحواس الخمس، و من
باب التّشبيه المفصل للتّصريح بوجه الشّبه و كونه مذكورا في الكلام و هو قوله (لا يعود
ما قد ولّي منه و لا يبقى سرمدا ما فيه) يعني أنّ ما ولّي منه و أدبر فقد فات
و مضى لا عود له أبدا، و ما هو موجود فيه فهو في معرض الزّوال و الفناء ليس له
ثبات و لا بقاء، إذ وجود الزّماني إنّما هو بوجود زمانه، فيكون منقضيا بانقضائه، و
في هذا المعنى قال الشّاعر:
ما أحسن الأيّام إلّا أنّها
يا صاحبيّ إذا مضت لم ترجع
(آخر فعاله كأوّله) و عن بعض النّسخ
كأوّلها فالضّمير راجع إلى فعاله، و على ما في المتن فالضّمير راجع إلى الدّهر
فيحتاج إلى تقدير مضاف كأوّل فعاله، و المراد واحد و انّ هو أجزاء الزّمان أوّلا و
آخرا سابقا و لا حقا على وتيرة واحدة و نسق واحد أي (متشابهة اموره) فانّه كما
كان أوّلا يعدّ قوما للفقر و آخرين للغنى و طائفة للصحّة و اخرى للمرض، و فرقة
للضّعة و اخرى للرّفعة، و جمعا للوجود