اعلم أنّ هذه
الخطبة الشّريفة قد خطب بها للنّصح و الموعظة و تنبيه المخاطبين من نوم الغفلة و
الجهالة، و افتتحها بما هو حقيق أن يفتتح به كلّ كلام ذى بال أعني حمد اللّه
سبحانه و الثناء عليه تعالى بجملة من نعوت كماله فقال (الحمد للّه الّذي
جعل الحمد مفتاحا لذكره) قال الشّارح المعتزلي: لأنّ أوّل الكتاب العزيز الحمد
للّه ربّ العالمين، و القرآن هو الذكر قال سبحانه:
أقول: هذا
إنّما يتمّ لو كان سورة الفاتحة أوّل ما نزل من القرآن أو يكون هذا الجمع و
الترتيب و وقوع الفاتحة في البداء بجعل من اللّه سبحانه.
أمّا الثّاني
فباطل قطعا إذ نظم السّور و تأليفها و ترتيبها على ما هى عليه الآن إنّما كان في
زمن عثمان و من فعله حسبما عرفته في تذييلات شرح الفصل السّابع عشر من الخطبة
الاولى.
و أمّا
الأوّل فهو أيضا غير معلوم بعد، بل المشهور بين المفسّرين أنّ أوّل سورة نزلت
بمكّة هو سورة اقرء باسم ربك، و قد رواه في مجمع البيان في تفسير سورة هل أتى عن
ابن عباس و غيره، نعم قد روى هناك عن سعيد بن المسيّب عن عليّ 7 أنّ
اوّل ما نزل بمكّة فاتحة الكتاب، ثمّ اقرء باسم ربّك.
فالأولى أن
يقال إنّ المراد أنه سبحانه جعل الحمد مفتاحا لذكره في عدّة سور، و
اطلاق الذكر على السورة لا غبار عليه كما أنّ القرآن يطلق على المجموع و على البعض
من سورة و آية و نحوها (و سببا للمزيد من فضله) بمقتضى وعده الصادق
في كتابه العزيز أعني قوله: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ.
(و دليلا
على آلائه و عظمته) أمّا كونه دليلا على آلائه فيحتمل معنيين.