ثمّ أراد النّبيّ 6 الابانة عن علوّ همّته 7 و الافصاح عن ثبات قدمه في جنب اللّه
فقال (فكيف صبرك إذا) يعني إذا ظفرت
بالشهادة (فقلت يا رسول اللّه ليس هذا من مواطن
الصّبر و لكن من مواطن البشرى و الشّكر) يعني أنّ الصبر عبارة عن تحمل المشاقّ و المكروه و هو
إنّما يتصوّر في حقّ المحجوبين عن اللّه المنهمكين في لذّات الدّنيا و الغافلين عن
لذّات الآخرة، فانهم يكرهون الموت و يفرّون منه و يحذرون من الشّهادة، و أمّا
أولياء الدّين و أهل الحقّ و اليقين فغاية غرضهم الخروج من هذه القرية الظّالم
أهلها و الفوز بلقاء الحقّ و النّيل إلى رضوانه فالموت لمّا كان وسيلة للوصول إليه
فهو أحبّ إليهم من كلّ شيء، و لذلك كان 7 يقول غير مرّة: و اللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطّفل بثدى امّه، و لمّا كان حصول الموت بالقتل و الشّهادة من أعظم القربات و أفضل
الطّاعات كانوا مستبشرين به و شاكرين على وصول تلك النعمة العظيمة، و إليه ينظر
قوله 7 في الكلام المأة و الثّانية و العشرين،
إنّ أكرم الموت القتل و الّذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسّيف أهون علىّ
من ميتة على فراش.
ثمّ عاد
النبيّ 6 بعد الاشارة إجمالا إلى افتتان الامة من بعده
إلى شرح حال المفتونين و بيان أوصافهم تفصيلا (و قال يا عليّ
إنّ الامّة سيفتنون بعدي بأموالهم) أى بقلّتها و كثرتها و باكتسابها من حلال أو
حرام و بصرفها في مصارف الخير أو الشّر و باخراج الحقوق الواجبة منها و البخل بها
و غير ذلك من طرق الامتحان (و يمنّون بدينهم على ربهم) كما منّ من
قبلهم بذلك على ما حكى اللّه عنهم بقوله: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ
أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ
عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ (و يتمنّون رحمته و يأمنون سطوته) الأمن من
سخط اللّه سبحانه كالإياس من رحمته من الكباير الموبقة، و أمّا تمنّى الرّحمة مع
عدم المبالاة في الدّين فهو من صفة الجاهلين و قد روى عنه 6 قال: أحمق الحمقاء من اتبع نفسه هويها و تمنّي على اللّه.
مبالغة (و
يستحلّون حرامه بالشّبهات الكاذبة و الأهواء السّاهية) أى الغافلة و وصف