للامتناع كما قال سبحانه «ثمّ استوى إلى
السّماء و هى دخان فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين» و
لمّا فرغ من التّحميد و التّمجيد شرع في المقصود فقال 7 (و من لطايف صنعته و عجايب خلقته) أى
من جملة صنايعه الّتي هى ألطف و أدقّ و أحقّ أن يتعجّب منها
(ما أرانا من غوامض الحكمة في هذه الخفافيش)
حيث خالف بينها و بين جميع الحيوانات.
و أشار إلى
جهة المخالفة بقوله مقابلة- رد العجز الى الصدر- استخدام (الّتي يقبضها
الضّياء الباسط لكلّ شيء، و يبسطها الظّلام القابض لكلّ حىّ) لا يخفى ما
في هاتين القرينتين من بديع النظم و حسن التّطبيق، و التّقابل بين القبض و البسط
في القرينة الاولى و البسط و القبض في الثانيّة ثمّ المقابلة بين مجموع القرينتين
بالاعتبار الذي ذكرنا مضافا إلى تقابل الضياء للظّلام، ثمّ ردّ
العجز إلى الصّدر، فقد تضمّن هذه الجملة على و جازتها وجوها من محاسن البديع مع
عظم خطر معناها.
و الضمير في يقبضها و يبسطها إمّا عايد
إلى الخفافيش بتقدير مضاف، أو على سبيل الاستخدام، و المراد انقباض أعينها في
الضّوء، و ذلك لافراط التحلّل في الرّوح النّوري لحرّ النّهار، ثمّ يستدرك ذلك برد
اللّيل فيعود الابصار، و قيل: الأظهر إنّه ليس لمجرّد الحرّ و إلّا لزم أن لا
يعرضها الانقباض في الشّتاء إلّا إذا ظهرت الحرارة في الهواء، و في الصيّف أيضا في
أوائل النّهار، بل ذلك لضعف في قوّتها الباصرة و نوع من التّضاد و التّنافر بينها
و بين النّور كالعجز العارض لساير القوى المبصرة عن النظر إلى جرم الشّمس، و أمّا
أنّ علة التنافر ما ذا ففيه خفاء و هو منشاء لتعجّب الّذي يشير إليه الكلام.
و إمّا عائد
إليها نفسها فيكون المراد بانقباضها ما هو منشأ اختفائها نهارا و إن كان ذلك ناشيا
من جهة الابصار.
(و كيف
عشيت أعينها) أى عجزت و عميت (عن أن تستمدّ) و تستعين (من
الشّمس المضيئة نورا تهتدى به في مذاهبها) أى طرق معاشها و مسالكها في سيرها و انتفاعها (و) عن أن (تتّصل
بعلانية برهان الشّمس) أى دليلها الواضح