جبّار السّماوات و الأرض هذا و قد تقدّم
الكلام في شرح الخطبة المأة و السّابعة و الأربعين في تحقيق معنى الكبر و كونه من
أعظم الموبقات و ما في ذمّه من الأخبار و الآيات، و كذلك الكلام في حسن التّواضع
مفصّلا و مستوفا فليراجع ثمة (و اذكر قبرك) و ما فيه من الوحدة و الوحشة و الغربة و الظلمة و الحسرة و النّدامة (فانّ عليه ممرّك) و مجازك و لا بدّ لمن يمرّ
على منزل موحش مظلم أن يذكره و يتزوّد له و يهتمّ بأخذ الزّاد و تكميل الاستعداد
ليتمكّن من الوصول إلى المطلوب و النّجاح بالمقصود
(و كما تدين تدان) أى كما تجزي تجزى و هو من باب المشاكلة، و
المقصود أنّك كما تعمل للَّه سبحانه و تعالى و تعامل معه فاللَّه يعامل معك إنّ
خيرا فخيرا و إن شرا فشرّا و لنعم ما قيل:
من يفعل الحسنات اللَّه يشكرها
و الشرّ بالشرّ عند اللَّه مثلان
(و كما تزرع تحصد) فانّ من زرع النّواة
حصد النّخل باسقات، و من زرع الفجور حصد الثّبور، و من توانا عن الزّرع في أوانه
حرم الحصاد في ابانه
إذا أنت لم تزرع و أدركت حاصدا
ندمت على التقصير في زمن البذر
(و ما قدّمت اليوم) لنفسك أو عليها (تقدم
عليه غدا) و تقام فيه (فا) جهد نفسك في تحصيل
الخير و تجنّب الشرّوا (مهد لقدمك) أى مهّد و هيّىء لموضع قدمك من
الحسنات و الأعمال الصالحات (و قدّم) الزّاد (ليوم) معاد (ك) و إياك و
التفريط فتقع في الحسرة و تعقب الندامة و ملامة النفس اللّوامة لدي الحساب يوم
القيامة (فالحذر الحذر) من التقصير و الغفلة (أيها المستمتع) المفتون (و الجدّ
الجدّ) للتقوى و الطاعة (أيها الغافل) المغرور (و لا
ينبّئك) أحد (مثل) واعظ (خبير) و عارف بصير بأحوال
الآخرة و أهوالها و لما أمرهم بالحذر و الجد و نبّههم على أنّ المنبئ لهم خبير و
بصير بما يحذر منه و يجد عليه، عقّب ذلك بالتنبيه على بعض ما يجب الحذر منه و
الجدّ على تركه فقال (إنّ من عزائم اللَّه) أى الأحكام التي لا
يجوز مخالفتها في حال من الأحوال