اعلم أنّ هذا
الفصل من الخطبة حسب ما أشار اليه الشّارحان البحراني و المعتزلي منافرة بينه و
بين قوم من الصّحابة الذين كانوا ينازعونه الفضل، و صدّر الفصل بالاشارة إلى بعث الرّسل و الحكمة في
بعثهم فقال: (بعث رسله بما خصّهم به من وحيه) الضمائر راجعة إلى
اللَّه سبحانه و إن لم يجر له ذكر لعدم الالتباس كما في قوله تعالى: فَأَوْحى
إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى و الوحى كلام مأخوذ من اللَّه سبحانه بواسطة
الملك، و الالهام يحصل منه سبحانه بغير واسطة، و قيل: الوحى قد يحصل بشهود الملك و
سماع كلامه فهو من الكشف الصّورى المتضمّن للكشف المعنوي، و الالهام من المعنوى، و
أيضا الوحى من خواصّ الرّسالة و متعلّق بالظاهر، و الالهام من خواصّ الولاية، و
أيضا هو مشروط بالتبليغ كما قال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما
أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ دون الالهام، و منهم من جعل الالهام نوعا من
الوحى فيكون إطلاق الوحى على الالهام في قوله سبحانه:
وَ أَوْحى
رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى على سبيل الحقيقة، و
أمّا على الأقوال السّابقة فهو من باب التوسّع و التجوّز.
(و جعلهم
حجّة له على خلقه لئلا) يكون للنّاس على اللَّه حجّة بعد الرّسل و (تجب
الحجّة لهم عليه بترك الاعذار) و التّخويف و إبداء العذر في العقاب و
تقديمه (إليهم) يعني أنّه سبحانه إنّما أرسل رسله مبشّرين و منذرين
إتماما للحجّة و إزالة للعذر عنه في العقاب على العصيان لأنّ العقاب بلا بيان قبيح
على الحكيم كما قال تعالى: وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ
رَسُولًا.
فان قلت: هذا
ينافي بالقول بالواجبات العقليّة و كفاية حكم العقل بالوجوب أو التحريم فيما استقل
بحسنه أو قبحه و لو لم يبعث الرّسل كما هو مذهب العدليّة من الامامية و المعتزلة.