و كيف كان فوصف الفتنة بالرّجوف لكثرة
اضطراب النّاس أو أمر الاسلام فيها و أراد بطالعها مقدّماتها و أوايلها و وصفها
ثانيا بقوله كنايه- استعاره بالكنايه (و القاصمة الزّحوف) أى الكاسرة الكثيرة الزّحف و كنّى بقصمها عن هلاك الخلق فيها و
شبّهها بالرّجل الشّجاع كثير الزّحف إلى أقرانه أى يمشى إليهم قدما.
ثمّ أشار إلى
ما يترتّب على تلك الفتنة من المفاسد العظام و قال (فتزيغ) أى تميل (قلوب بعد
استقامة) على سبيل اللَّه (و تضلّ رجال بعد سلامة) في دين
اللَّه (و تختلف الأهواء عند هجومها و تلتبس الآراء) الصّحيحة
بالفاسدة (عند نجومها) و ظهورها، فيشتبه الحقّ بالباطل و يتيه فيها
الجاهل و الغافل (من أشرف لها) أى قابلها و صادمها (قصمته) و هلكته (و من سعى
فيها) أى أسرع في إطفائها و اسكاتها (حطمته) و كسرته (يتكادمون
فيها تكادم الحمر) الوحش (في العانة) أى في قطيعها.
قال العلامة
المجلسي (ره): و لعلّ المراد بتكادمهم مغالبة مثيرى تلك الفتنة بعضهم لبعض، أو
مغالبتهم لغيرهم.
تشبيه
[يتكادمون فيها تكادم الحمر] و قال الشّارح البحراني: و شبّه ذلك بتكادم
الحمر في العانة، و وجه التّشبيه المغالبة مع الايماء أى خلعهم ربق التّكليف من
أعناقهم و كثرة غفلتهم عمّا يراد بهم في الآخرة.
(قد اضطرب
معقود الحبل) أى قواعد الدّين و الأحكام الشّرعيّة الّتي كلّفوا بها مجاز (و عمى
وجه الأمر) في اسناد العمى الى الوجه تجوّز، و المراد عدم اهتدائهم الى وجوه
الصلاح و طرق الفلاح (تغيض) و تنقص (فيها الحكمة) لسكوت
الحكماء عنها و عدم تمكّنهم عن التكلّم بها (و تنطق فيها الظلمة) بما يقتضيه
أهواؤهم عن الظّلم و الفساد لمساعدة الزّمان عليهم (و تدقّ) تلك الفتنة (أهل
البدو) أى البادية (بمسحلها) أى يفعل بهم ما يفعل
المسحل بالحديد[1] أو
[1] الاول مبنى على ان يراد بالمسحل السوهان و الثاني مبنى على
ان يراد منه المنحت كما تقدم سابقا، منه