و ظهور كمينها، و انتصاب قطبها، و مدار
رحاها، تبدو في مدارج خفيّة، و تئول إلى فظاعة جليّة، شبابها كشباب الغلام، و
آثارها كآثار السّلام، تتوارثها الظّلمة بالعهود، أوّلهم قائد لآخرهم، و آخرهم
مقتد بأوّلهم، يتنافسون في دنيا دنيّة، و يتكالبون على جيفة مريحة، و عن قليل
يتبرّء التّابع من المتبوع، و القائد من المقود، فيتزايلون بالبغضاء، و يتلاعنون
عند الّلقآء، ثمّ يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرّجوف، و القاصمة الزّحوف، فتزيغ
قلوب بعد استقامة، و تضلّ رجال بعد سلامة، و تختلف الأهواء عند هجومها، و تلتبس
الآراء عند نجومها، من أشرف لها قصمته، و من سعى فيها حطمته، يتكادمون فيها تكادم
الحمر في العانة، قد اضطرب معقود الحبل، و عمى وجه الأمر، تغيض فيها الحكمة، و
تنطق فيها الظّلمة، و تدقّ أهل البدو بمسحلها، و ترضّهم بكلكلها، يضيع في غبارها
الوحدان، و يهلك في طريقها الرّكبان، ترد بمرّ القضاء، و تحلب عبيط الدّمآء، و
تثلم منار الدّين، و تنقض عقد اليقين، تهرب منها الأكياس، و تدبّرها الأرجاس،
مرعاد مبراق، كاشفة عن ساق، تقطّع فيها الأرحام، و يفارق عليها الإسلام، بريّها
سقيم، و ظاعنها مقيم.