البكاء ذبل الشفاه من الدعاء حدب الظهور
من القيام خمص البطون من الصّيام، صفر الوجوه من السهر، عليهم غبرة الخاشعين.
(فأخذوا
الراحة) في الاخرى (بالنصب) و التعب في الدّنيا (و الرّى) من عين
سلسبيل (بالظّماء) و العطش في زمان قليل (و استقربوا الأجل
فبادروا العمل و كذبوا الأمل فلاحظوا الأجل) يعني أنهم عدوّا
الآجال أى مدّة الأعمار قريبا، فسارعوا إلى الأعمال الصّالحة و تهيّأوا زاد
الآخرة، و أنهم كذّبوا الآمال الباطلة و لم يغترّوا بالامنيّات العاطلة فلاحظوا
الموت.
و بما ذكرنا
ظهر أنّ الأجل في الفقرة الاولى بمعنى مدّة العمر، و في الثانية بمعنى
الموت، فلا تكرار كما ظهر أنّ الفاء في قوله: فبادروا، للسّببية
مفيدة لسببيّة ما قبلها لما بعدها، و أمّا في قوله فلاحظوا فيحتمل أن
تكون كذلك أى لا فادة سببيّة ما قبلها لما بعدها، و يحتمل العكس فيكون مفادها مفاد
لام التعليل كما في قولك أكرم زيدا فانّه فاضل، يعنى أكرمه لكونه فاضلا، فيدلّ على
أنّ فضله علّة لاكرامه.
و الاحتمالان
مبنيّان على أنّ الدّنيا و الآخرة ضرّتان متضادّتان فبقدر التّوجّه إلى إحداهما
يغفل عن الاخرى و طول الأمل انّما ينشأ من حبّ الدّنيا و الميل إليها، فلحاظ
الآخرة أعنى الاجل و ما بعده و الالتفات إليها و التوجّه لها يستلزم الاعراض عن
الدّنيا و عن الآمال الباطلة المتعلّقة بها لا محالة، و هو معني تكذيبها كما أنّ
انتزاع محبّة الدّنيا عن القلب و عدم الاغترار بآمالها يستلزم ملاحظة الآخرة، فبين
الأمرين ملازمة في الحقيقة يكون تكذيب الآمال سببا لملاحظة الآخرة و باعتبار آخر
يكون ملاحظة الآخرة علّة لتكذيب الآمال و أعني بالعلية و السّببيّة الارتباط و
الملازمة و ان لم تكن تامة فافهم جيدا.
و يمكن أن
يراد بالأجل في الفقرة الاولى الموت، و في الثانية مدّة العمر عكس ما
قدّمنا و يحتاج حينئذ إلى نوع تكلّف، بأن يراد بملاحظة الأجل ملاحظة