غير مغادر) شيء
أى لا يغادر و لا يبقى صغيرة و لا كبيرة إلّا أحصيها.
(و نؤمن
به) أى نصدّقه بقول مقول و عمل معمول و عرفان بالعقول و اتّباع الرّسول (ايمان من
عاين الغيوب) و شاهد بعين اليقين الغيب المحجوب عن غمرة الموت و سكرته و ضيق
القبر و ظلمته و طول البرزخ و وحشته و عقبات السّاعة و دواهيها و أهوال القيامة و
شدائدها (و وقف) أى اطّلع (على الموعود) من الرّفد المرفود و
الطلح المنضود و السّدر المخضود و الظل الممدود و غيرها ممّا وعد به المتّقون، أو
النّار ذات الوقود و القيح و السّديد و العذاب الشّديد و نزل الحميم و تصلية الجحيم
و نحوها ممّا وعد به المجرمون.
و انّما خصّ
ايمان المعاين الواقف بالبيان لكونه أقوى درجات الايمان، فانّ من الايمان ما يكون
بحسب التقليد، و منه ما يكون بحسب البرهان و هو علم اليقين، و أقوى منه الايمان
بحسب الكشف و المشاهدة، و هو عين اليقين و ذلك هو الايمان الخالص.
و في الكافي
باسناده عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللَّه 7 يقول:
إنّ رسول
اللَّه 6 صلّى بالنّاس الصّبح فنظر إلى شابّ في
المسجد و هو يخفق و يهوى برأسه مصفرا لونه و قد نحف جسمه و غارت عيناه في رأسه فقال
له رسول اللَّه 6: كيف أصبحت يا فلان؟ قال: أصبحت يا
رسول اللَّه موقنا، فعجب رسول اللَّه 6 من قوله و
قال: إنّ لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك؟ فقال:
إنّ يقيني يا
رسول اللَّه هو الّذي أخرنني و أسهر ليلي و أظمأ هو اجرى فعزفت نفسي عن الدّنيا و
ما فيها حتّى كأني أنظر إلى عرش ربّي و قد نصب للحساب و حشر الخلايق لذلك و أنا
فيهم، و كأنّي انظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة و يتعارفون على الأرائك
متّكؤون، و كأنّي أنظر إلى أهل النّار و هم فيها معذّبون مصطرخون، و كأنّي الآن
أسمع زفير النّار يدور في مسامعي، فقال رسول اللَّه 6
لأصحابه: هذا عبد نوّر اللَّه قلبه بالايمان، ثمّ قال له: ألزم ما أنت عليه، فقال
الشاب: ادع اللَّه لي يا رسول اللَّه أن ارزق الشّهادة معك، فدعى له رسول اللَّه
6