يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه و اتّقوا
اللّه إنّ اللّه توّاب رحيم، فجعل سبحانه المؤمن أخا و عرضه كلحمه و التفكّه به
أكلا و عذم شعوره بذلك بمنزلة حالة موته.
قال الفخر
الرّازي: الحكمة في هذا التشبيه الاشارة إلى أنّ عرض الانسان كدمه و لحمه و هذا من
باب القياس الظّاهر، و ذلك لأنّ عرض المرء أشرف من لحمه، فاذا لم يحسن من العاقل
أكل لحوم النّاس لم يحسن منه قرض عرضهم بالطريق الأولى، لأنّ ذلك ألم. و قوله: لحم
أخيه آكدا في المنع لأنّ العدوّ يحمله الغضب على مضغ لحم العدوّ فقال تعالى أصدق
الأصدقاء من ولدته امّك فأكل لحمه أقبح ما يكون، و قوله تعالى: ميتا، إشارة إلى
دفع و هم و هو أن يقال:
القول في
الوجه يولم فيحرم و أما الاغتياب فلا اطلاع عليه للمغتاب فلا يؤلم، فقال:
أكل لحم الأخ
و هو ميّت أيضا لا يؤلم، و مع هذا هو في غاية القبح لما أنّه لو اطلع عليه لتألّم
كما أنّ الميّت لو أحسّ بأكل لحمه لآلمه ذلك هذا.
و الضّمير في
قوله: فكرهتموه، إمّا راجع إلى الأكل المستفاد من أن يأكل، أو إلى اللّحم، أى فكما
كرهتم لحمه ميتا فاكرهوا غيبته حيّا، أو الميت في قوله ميّتا، و التّقدير أيحبّ
أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميّتا متغيّرا فكرهتموه فكأنّه صفة لقوله ميتا و يكون فيه
زيادة مبالغة في التّحذير يعني الميتة إن اكلت لسبب كان نادرا و لكن إذا أنتن و
أروح و تغيّر لا يؤكل أصلا فكذلك ينبغي أن تكون الغيبة.
و الفاء فيه
يفيد التعلّق و ترتّب ما بعدها على ما قبلها، و هو من تعلّق المسبّب بالسّبب و
ترتّبه عليه كما تقول جاء فلان ماشيا فتعب، لأنّ المشى يورث التّعب فكذا الموت
يورث النفرة و الكراهة إلى حدّ لا يشتهى الانسان أن يبيت في بيت فيه ميّت فكيف
يقربه بحيث يأكل منه، ففيه إذا كراهة شديدة فكذلك ينبغي أن تكون حال الغيبة.
و من الكتاب
أيضا قوله سبحانه: ويل لكلّ همزة لمزة، قال اللّيث: الهمزة هو الّذي يعيبك بوجهك،
و اللّمزة الّذي يعيبك بالغيب، و قيل: الهمز ما يكون