النسخ
(لا يجيبون داعيا و لا يمنعون ضيما) أى ظلما عن أنفسهم أو عمّن
استجار بهم لانقطاع الاقتدار عنهم (و لا يبالون مندبة) أى لا يكترثون بالندب و البكاء على ميّت
(إن جيدوا لم يفرحوا و إن قحطوا لم يقنطوا) يعنى أنّهم إن جادت
السماء عليهم بالمطر لا يفرحون و ان احتبست عنهم المطر لا ييأسون كما هو شأن.
الأحياء فانّهم يفرحون عند الخصب و يحزنون عند الجدب
(جميع) أى مجتمعون (و هم آحاد) متفرّدون (و جيرة و هم أبعاد) متباعدون (متدانون لا يتزاورون و قريبون لا
يتقاربون) إلى هذا المعنى نظر السّجاد 7 في
ندبته حيث قال:
و اضحوا رميما في التراب و اقفرت
مجالس منهم عطّلت و مقاصر
و حلّوا بدار لا تزاور بينهم
و أنّى لسّكان القبور التزاور
فما أن ترى إلّا جثي قد ثووا بها
مسنمة تسفى عليه الأعاصر
و قال آخر:
لكلّ اناس معمر في ديارهم
فهم ينقصون و القبور يزيد
فكاين ترى من دار حيّ قد اخربت
و قبر بأكنان التّراب جديد
هم جيرة الأحياء أما مزارهم
فدان و أمّا الملتقى فبعيد
مجاز (حلماء قد
ذهبت أضغانهم و جهلاء قد ماتت أحقادهم) يعنى أنهم بموتهم و انقطاع مادّة
الحياة عنهم صار و احلماء جهلاء لا يشعرون شيئا فارتفع عنهم الضغن و الحقد و الحسد
و ساير الصّفات النفسانيّة المتفرّعة عن الحياة، و توصيفهم بالحلم و الجهل في تلك
الحال من باب التوسّع و المجاز باعتبار أنهم لا يستفزّهم الغضب و لا يشعرون و إلّا
فالحلم هو الصّفح و الاناة و العقل و الجهل عدم العلم عمّن من شأنه أن يكون عالما
و هما من صفات الأحياء كما لا يخفى.
(لا يخشى فجعهم و لا يرجى دفعهم) يعنى أنهم
بارتفاع الاقتدار عنهم لا يخشون و لا يرجون فلا يخشى أحد من أن ينزل عليه بهم
فجيعة و رزيّة و لا يرجو أحد أن يدفع بهم من نفسه نازلة و بلية (استبدلوا
بظهر الأرض بطنا و بالسّعة ضيقا و بالأهل غربة و بالنّور ظلمة).