(من أقلّ
منها استكثر ممّا يؤمنه و من استكثر منها استكثر ممّا يوبقه) يعنى أنّ من ذهب في
الدّنيا و اكتفى بالقليل من متاعها طلب الكثير ممّا يوجب أمنه و نجاته في الآخرة،
و من رغب فيها طلب الكثير من متاعها استكثر مما يوجبه هلاكه فيها، لأنه ان كان من
الحلال ففيه طول الحساب، و ان كان من الحرام ففيه أليم العذاب.
(و زال
عمّا قليل عنه) إشارة إلى مفسدة اخرى فيما استكثره مضافة إلى ايجابه هلاكه و هى
أنّه لم يبق له بل زال بعد حين قليل عنه.
ثمّ أشار 7 إلى مفاسد الرّكون اليها و الاعتماد عليها بقوله: (كم من واثق بها
قد فجعته) بأنواع الأحزان (و ذى طمأنينة اليها قد صرعته) في مصارع
الهوان (و ذى ابّهة) و عظمة (قد جعلته حقيرا) مهينا (و ذى
نخوة) و كبر (قد ردّته ذليلا) مستكينا (سلطانها
دول) يتداوله السّلاطين بينهم يكون تارة لهؤلاء و لهؤلاء اخرى (و عيشها
رنق) متكدّر استعاره (و عذبها اجاج) مالح (و حلوها
صبر) مرّ استعار لفظى العذب و الحلو للذّاتها و لفظى الاجاج و المرّ لما
يشوبها من الكدر و الأسقام و الجامع الاشتراك في الالتذاذ و الايلام (و غذائها
سمام) قاتلة (و أسبابها) أى حبالها (رمام) بالية (حيّها
بعرض موت و صحيحها بعرض سقم) أراد به إشراف الأحياء بالممات و الأصحاء
بالأسقام و قربهم منها (ملكها مسلوب و عزيزها مغلوب و موفورها منكوب و جارها
محروب) أى وافر المال و صاحب الثروة فيها مثاب و جارها حريب أى مأخوذ منه
جميع ماله هذا.
و لما حذّر
من الدّنيا بذكر معايبها أكدّ ذلك بالتنبيه على السّابقين فيها و قال (ألستم في
مساكن من كان قبلكم) لكونهم (أطول أعمارا) فقد لبث نوح 7 في قومه ألف سنة الّا خمسين عاما، و مثله كثير (و أبقى آثارا) كما يشهد به
الهرمان