الفرار لا يزيد في عمر الفارّ و لا يحجز
بينه و بين اليوم الذي قدّر فيه موته كما قال تعالى في حقّ المنافقين المعتلّين في
الرّجوع يوم الأحزاب بأن بيوتهم عورة:
يعنى قل
للّذين استأذنوك في الرّجوع و اعتلّوا بأنّ بيوتهم يخاف عليها: لن ينفعكم الفرار
من الموت أو القتل، إن كان حضر آجالكم فانه لا بدّ من واحد منهما و لا ينفعكم
الهرب و الفرار، و إن لم يحضر آجالكم و سلمتم من الموت أو القتل في هذه الوقعة لم
تمتّعوا في الدّنيا إلّا أياما قلائل.
ثمّ أكّد
الحثّ عليهم بالترغيب و التشويق فقال (من) هو (رائح إلى
اللّه) و ذاهب إلى رضوان اللّه سبحانه (كالظمآن) العطشان (يرد
الماء) و يروى غلته (الجنّة تحت أطراف العوالي) و أسنّة
الرّماح و تحت ظلال السيوف (اليوم تبلى الأخبار) أى أخبار الحرب من
الثبات و الفرار و يمتحن السرائر و الضمائر من الايمان و النفاق و الشجاعة و الجبن
و غيرها، أو يمتحن الأخيار من الأشرار (و اللّه لأنا أشوق) و أرغب (إلى
لقائهم) أي الأعداء (منهم إلى ديارهم) ثمّ دعا عليهم
بقوله:
(أللّهم
فان ردّوا الحقّ) و أرادوا إبطاله (فافضض جماعتهم و شتّت كلمتهم) أي بدّل
اجتماعهم بالافتراق و اتّفاق قولهم بالاختلاف و النفاق الموجب للهزيمة (و أبسلهم
بخطاياهم) أى اهلكهم و أسلمهم إلى الهلاك و لا تنصرهم بما اكتسبوا من الاثم و
الخطاء كما قال سبحانه: