و اعلموا عباد اللَّه أنّ الأمل يذهب
العقل و يكذب الوعد و يحثّ على الغفلة و يورث الحسرة، فاكذبوا الأمل فانّه غرور و
أنّ صاحبه مأزور، فاعملوا في الرغبة و الرهبة فان نزلت بكم رغبة فاشكروا و اجمعوا
معها رغبة، فانّ اللَّه قد تأذّن للمسلمين بالحسنى و لمن شكر بالزيادة، فانّى لم
أر مثل الجنّة نام طالبها، و لا كالنّار نام هاربها، و لا أكثر مكتسبا ممن كسبه
ليوم تذخر فيه الذخائر و تبلى فيه السّراير، و أنّ من لا ينفعه الحقّ يضرّه
الباطل، و من لا يستقيم به الهدى تضرّه الضّلالة، و من لا ينفعه اليقين يضرّه الشّك
و انكم قد امرتم بالظعن و دللتم على الزّاد، ألا انّ أخوف ما أتخوّف عليكم اثنان:
طول الأمل و اتّباع الهوى ألا و إنّ الدّنيا أدبرت و آذنت بانقلاع، ألا و انّ
الآخرة قد أقبلت و آذنت باطلاع، ألا و إنّ المضمار اليوم و السباق غدا، ألا و إنّ
السبقة الجنّة و الغاية النار، ألا و إنكم في أيّام مهل من ورائه أجل يحثّه عجل
فمن أخلص للَّه عمله في أيّامه قبل حضور أجله نفعه عمله و لم يضرّه أجله، و من لم
يعمل في أيّام مهله ضرّه أجله و لم ينفعه عمله عباد اللَّه أفزعوا إلى قوام دينكم
باقام الصّلاة لوقتها، و ايتاء الزكاة في حينها و التضرّع و الخشوع و صلة الرّحم،
و خوف المعاد و إعطاء السّائل و إكرام الضعيفة و الضعيف و تعلّم القرآن و العمل به
و صدق الحديث و الوفاء بالعهد و أداء الأمانة إذا ائتمنتم، و ارغبوا في ثواب
اللَّه و ارهبوا عذابه و جاهدوا في سبيل اللَّه بأموالكم و أنفسكم، و تزوّدوا من
الدّنيا ما تحرزون به أنفسكم و اعملوا بالخير تجزوا بالخير يوم يفوز بالخير من
قدّم الخير، أقول قولي و أستغفر اللَّه لي و لكم.
بيان
لا يخفى على
الضّابط المحيط بما تقدّمت من الخطب أن الأشبه أن تكون الخطبة الثّامنة و العشرون،
و أو آخر الخطبة الخامسة و الثمانين، و هذه الخطبة التي نحن في شرحها جميعا ملتقطة
من تلك الخطبة المعروفة بالدّيباج، فانّك إذا لاحظتها ترى توافق هذه الخطبة لأوائل
تلك الخطبة، و أواخر الخامسة و الثمانين لأواسطها، و الثامنة و العشرين لأواخرها،
و إن كان بينها اختلاف يسير في بعض