انضمّت و اجتمعت، و هو كناية عن شدّتها و
صعوبتها، لأنّ الجيوش إذا اجتمعت كلها و اصطدم الفيلقان كان الأمر أصعب و أشدّ من
أن تتفرّق و يحارب كلّ كتيبة كتيبة اخرى في بلاد متباعدة، و من روى قلصت عن حربكم
فالمراد إذا انكشفت كرائه الامور و حوازب الخطوب عن حربكم.
استعاره- حقيقت (و شمّرت
عن ساق) أى شمّرت الحرب و رفعت السّاتر عن ساقها و هو كناية عن اشتدادها و
التحامها على سبيل الاستعارة، و الغرض تشبيه الحرب بالمجد في أمر الساعي فيه، فانّ
الانسان أذا جدّ في السّعي شمّر عن ساقه و دفع ثوبه لئلّا يعوقه و يمنعه، و ربما
قيل بأنه جار على الحقيقة، و معنى السّاق الشدّة، أى كشفت عن شدّة و مشقّة و به
فسّر قوله سبحانه:
يَوْمَ
يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ.
(و ضاقت
الدّنيا عليكم ضيقا) بطروق الخطوب و ابتلاء المصائب حالكونكم (تستطيلون
أيام البلاء عليكم) و ذلك لأنّ أيام البلاء تكون في نظر الانسان طويلة و أيام
السعة و الرّخاء قصيرة قال الشاعر:
فأيّام الهموم مقصّصات
و أيّام السّرور تطير طيرا
(حتّى يفتح اللّه لبقيّة الأبرار منكم) يحتمل أن
يكون المراد ببقية الأبرار أولادهم و إن لم يكونوا أبرارا في أنفسهم إن كان إشارة
إلى ظهور دولة بني العباس إلّا أنّ الأظهر أنّ المراد هو ظهور الدّولة الحقّة
القائميّة عجّل اللّه له الفرج و أقرّ اللّه عيون مواليه بظهوره 7.
(إنّ الفتن إذا أقبلت شبّهت) أى جعلت
نفسها أى الامور الباطنة شبيهة بالحقّ، أو أشكل أمرها و التبس على الناس (و إذا
أدبرت نبهت) أى أيقظت القوم من نوم الجهالة و ظهرت بطلانها عليهم، ألا ترى أنّ
الناس كانوا في بدو فتنة الجمل و النهروان في حيرة و اشتباه لا يدرون أنّ الحقّ في
أيّ الجانبين، فلمّا انقضت الحرب و وضعت أوزارها ارتفع الاشتباه و تميّز الحقّ من
الباطل و انتبه القوم من جهالتهم.