أقول: و ذلك لأنّ الأنواع السّؤلات غير
محصورة و لا محصاة، و أصناف الطلبات غير معدودة و لا مستقصاة، فبعضها يتعلّق
بالمعقول و بعضها بالمنقول، و بعضها بعالم الشهود و بعضها بعالم الغيب، و بعضها
بما كان و بعضها بما يكون و بعضها بما هو كائن، و هكذا فلا يمكن الجواب عن هذا كلّه
و لا يقدر على مثل ذلك إلّا من تأيّد بقوّة ربانيّة، و اقتدر بقدرة الهيّة، و نفث
في روعه الرّوح الأمين، و تعلّم علوم الأولين و الآخرين، و صار منبع العلم و
الحكمة، و ينبوع الكمال و المعرفة، و هو أمير المؤمنين و يعسوب الدين، و وارث علم
النبيين و بغية الطّالبين، و حلّال مشكلات السائلين فلا ينصب نفسه في هذا المنصب
إلّا جاهل، و لا يدّعى لنفسه هذا المقام إلّا تائه غافل، و في هذا المقام قال
الشاعر:
و من ذا يساميه بمجد و لم يزل
يقول سلوني ما يحلّ و يحرم
سلوني ففي جنبي علم ورثته
عن المصطفى ما فات منّى به الفم
سلوني عن طرق السموات إننى
بها عن سلوك الطرق في الارض أعلم
و لو كشف اللّه الغطا لم أزد به
يقينا على ما كنت أدرى و أفهم
و قد روينا
في التذييل الثاني من شرح الكلام الثالث و الأربعين أنّ ابن الجوزي قال يوما على
منبره: سلوني قبل أن تفقدوني، فسألته امرئة عمّا روي أنّ عليّا سار في ليلة إلى
سلمان فجهّزه و رجع، فقال: روى ذلك، قالت: فعثمان ثمّ ثلاثة أيّام منبوذا في
المزابل و عليّ 7 حاضر، قال: نعم، فقالت: فقد لزم الخطاء لأحدهما،
فقال: إن كنت خرجت من بيتك بغير اذن زوجك فعليك لعنة اللّه و إلّا فعليه، فقالت:
خرجت عايشة إلى حرب عليّ باذن النبيّ 6 أولا؟ فانقطع و
لم يحر جوابا و رووا أيضا أنّ قتاده دخل الكوفة فالتفت إليه الناس فقال: اسألوني
عما شئتم و كان أبو حنيفة حاضرا و هو إذا غلام حدث السنّ، فقال: اسألوه عن نملة
سليمان أ كان ذكرا أم أنثى، فسألوه فانقطع، فقال أبو حنيفة كانت انثى فقيل له: بم
عرفت ذلك؟ قال من كتاب اللّه و هو قوله تعالى قالت نملة و لو كان ذكرا لقال: قال
نملة