من الحلاوة و الطلاوة و اللطف و السلاسة،
لا أرى كلاما يشبه هذا إلا أن يكون كلام الخالق سبحانه، فانّ هذا الكلام نبعة من
تلك الشجرة، و جدول من ذلك البحر، و جذوة من تلك النار كأنّه شرح قوله تعالى:
وَ
عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَ يَعْلَمُ ما فِي
الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَ لا
حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ
مُبِينٍ.
فلنعد إلى
شرح كلامه 7 لعجز اللسان و قصور البيان عن احصاء فضائله و استقصاء
خصائصه فأقول قوله: (عالم السّر من ضمائر المضمرين) أراد به أنه خبير
بمكتوبات السرائر و محيط بمكنونات الضمائر، لا يعزب عن علمه شيء منها كما قال عزّ
من قائل:
(و نجوى
المتخافتين) أى مسارة الذين يسرّون المنطق كما قال تعالى:
ما يَكُونُ
مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ
سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ.
(و خواطر
رجم الظنون) يعنى ما يخطر بالقلب ممّا يسبق إليه الظّنون من غير برهان (و عقد
عزيمات اليقين) أى محكمات العقائد الناشئة عن اليقين التي عقد عليها القلب و اطمأنّ
إليها النّفس مجاز (و مسارق ايماض الجفون) يعنى خفيات[1]
إشارة الجفون، أو المراد بالجفون العيون مجازا و بالمسارق النظرات الخفية التي
للعيون كانّها تسرق النظر لاخفائها فيكون المقصود علمه بالنّظرات الخفيّة للعيون
حين تومض أى تلمع لمعا خفيفا يبرز لمعانها تارة و يختفى اخرى عند فتح
[1] هذا على كون المسارق من سرق كفرح بمعنى خفى و الايماض بمعنى
الاشارة منه،