السّماويّة و الأخبار النّبويّة المشحونة
بذمّ الدّنيا النّاهية عن الركون اليها و الاعتماد عليها، مضافا إلى رؤيته
المخرجين عن الدّنيا بجبر و قهر، و المقلعين عنها بكره و قسر
(المأخوذين على الغرّة) و حالة الاغترار و الغفلة المشغولين
بالدّنيا و شهواتها الغافلين عن هادم اللّذات و سكراته
(حيث لا اقالة) لهم عن ذنوبهم
(و لا رجعة) لهم إلى الدّنيا ليتداركوا سيئات أعمالهم.
(كيف نزل
بهم) من شدايد الأهوال (ما كانوا يجهلون و جاءهم من فراق الدّنيا
ما كانوا يأمنون و قدموا من) عقبات (الآخرة على ما
كانوا يوعدون) فانه لو تفكّر في ذلك و تذكّر ذلك يوشك أن يؤثر فيه و يقلّ فرحه
بالدّنيا و شعفه بها.
لأنه بعد ما
لاحظ أحوال هؤلاء الماضين و تصوّر تبدّد أجزائهم في قبورهم، و محو التراب حسن
صورهم، و أنهم كيف ارملوا نسائهم و ايتموا أولادهم و ضيّعوا أموالهم، و خلت عنهم
مجالسهم و مدارسهم، و انقطعت عنهم آثارهم و معالمهم، و عرف أنّه عن قريب كائن
مثلهم انقلع لا محالة عن هواه و ارتدع عن حبّ دنياه
تفانوا جميعا فما مخبر
و ماتوا جميعا و مات الخبر
تروح و تغد و بنات الثرى
فتمحو محاسن تلك الصّور
فيا سائلى عن اناس مضوا
أما لك فيما ترى معتبر
لا سيّما لو
عمق نظره في ما حلّ بالأموات بعد موتهم، و ما نزل بساحتهم حين موتهم، لكان ندمه
أشدّ و حسرته آكد.
(ف) انه (غير موصوف ما نزل
بهم) من الشّدائد و الآلام، و يحتمل أن يكون ضمير بهم راجعا إلى الذين لم
يجيبوا الدّاعي المقدّم ذكرهم بقوله: فلا الدّاعي أجابوا و لا فيما رغبت إليه
رغبوا (اجتمعت عليهم سكرة الموت و حسرة الفوت ففترت لها أطرافهم و
تغيّرت لها ألوانهم) و ذلك لأنّ ألم النزع يسرى جميع اعضاء البدن و يستوعب
الأطراف و يوجب ضعفها و فتورها.
قال الغزالي:
و اعلم أنّ شدّة الألم في سكرات الموت لا يعرفها بالحقيقة