و أما افتضاحهم
بأكلها فلانّها بعد ما كانت بمنزلة الجيفة يكون آكلها مفتضحا
بأكلها لا محالة، و هو ترشيح للاستعارة.
مجاز و قوله
7 (و اصطلحوا على حبّها) أى اتفقوا على محبّتها و توافقوا
عليها، فانّ أصل الصلح هو التراضي بين المتنازعين و تجوّز به عن التوافق و الاتفاق
للملازمة بينهما (و من عشق شيئا) أى كان مولعا به شديد المحبّة له، فانّ العشق
هو الافراط في الحبّ و التجاوز عن حدّ الاعتدال.
قال جالينوس
الحكيم العشق من فعل النفس و هى كامنة في الدّماغ و القلب و الكبد، و في الدماغ
ثلاث مساكن التخيّل في مقدّمه، و الفكر في وسطه، و الذكر في آخره فلا يكون أحد
عاشقا حتى اذا فارق معشوقه لم يخل من تخيّله و فكره و ذكره فيمتنع من الطعام و
الشراب باشتغال قلبه و كبده من النوم باشتغال الدّماغ بالتخيّل و الذكر و الفكر
للمعشوق، فيكون جميع مساكن النفس قد اشتغلت به، و متى لم يكن كذلك لم يكن عاشقا.
و كيف كان
فالمراد أنّ من أفرط في محبّة شيء (اغشى) ذلك الشيء (بصره و
أمرض قلبه) أى يكون فرط حبّه لذلك الشيء مانعا عن توجّهه الى ما يلزمه التوجّه
إليه و حاجبا عن النظر إلى مصالحه و ما يلزمه الاشتغال به فيكون غافلا عما عداه،
صارفا أوقاته بكلّيته إلى هواه، و يكون[1]
عشقه مانعا عن ادراكه العقول، و يكون عشقه ايضا مانعا عن ادراكه لعيوب المعشوق، و
عن التفاته الى مساويه، و من هنا قيل:
و عين الرّضا عن كلّ عيب كليلة
كما أنّ عين السّخط تبدى المساويا
و غرضه 7 أنّ أهل الدّنيا لكثرة حبّهم لها و فرط رغبتهم إليها قصرت أبصارهم عن
النظر إلى اخراهم، و مرضت قلوبهم عن التوجه إلى عقباهم، و صرفوا
[1] قال ارسطوا لعشق عمى الحسّ عن ادراك عيوب المحبوب و هو من
الامراض المعروفة من انواع الماليخوليا الذي هو تشويش الظنون و الفكر الى الفساد و
الخوف و عن الامالى عن المفضل بن عمر قال سألت الصادق( ع) عن العشق فقال( ع) قلوب
خلت عن ذكر اللّه فأذاقها اللّه حبّ غيره، منه