و حمل الأشتر معهم على صفوف أهل الشّام و
كشف من بازائهم فخاطبهم أمير المؤمنين بهذا الكلام فقال:
كنايه (و قد
رأيت جولتكم و انحيازكم عن صفوفكم) أى انكشافكم و ميلكم عن صفوفكم و هو كناية عن
هزيمتهم و هربهم عدل 7 في التعبير عن اللّفظ المنفر الى لفظ غير منفر
قال الشارح المعتزلي: و هو باب من أبواب البيان لطيف و هو حسن التّوصل بايراد كلام
غير مزعج عوضا عن لفظ يتضمّن تقريعا.
(تحوزكم) أى تغلبكم (الجفاة
الطّغام) أى الغلاظ الأوغاد (و أعراب أهل الشام) و الإتيان بلفظ
الاعراب إمّا بيان للواقع أو تبكيت لأصحابه و توبيخ لهم بأنه لا يليق بمثلهم في
الشرف و السّودد أن يحوزه أراذل العرب و البدوي منهم و ربما يشعر بذلك قوله 7 (و أنتم لهاميم العرب) و ساداتها تشبيه (و يآفيخ
الشرف) تشبيههم باليآفيخ لكونهم في علوّهم و شرفهم بالنسبة إلى العرب
كاليآفيخ بالنسبة إلى الأبدان استعاره (و) كذلك التشبيه با (الانف
المقدم و السنام الأعظم) و استعارة لفظى الأنف و السنام لهم باعتبار
العزّ و الشرف، فانّ الأنف أعزّ الأعضاء و أشرفها و متقدّم عليها و حسن الوجه
به قال الشّاعر:
قوم هم الأنف و الأذناب غيرهم
و من يساوى بأنف الناقة الذّنبا
و هكذا السنام في عزّته و
علوّه بالنسبة إلى باقى أعضاء الجمل كنايه (و لقد شفى وحاوح صدرى) و هي كناية
عن تألّمه و حرقة قلبه الناشي عن غلبة العدوّ (أن رأيتكم بآخرة) أى آخر
الأمر (تحوزونهم كما حازوكم و تزيلونهم عن مواقفهم) و مراكزهم (كما
أزالوكم حسّا بالنّضال و شجرا بالرّماح) أى تقتلونهم قتلا بالمراماة، و
تطعنونهم طعنا بالرّماح حالكونهم (تركب اوليهم اخربهم) أى الكتيبة الاولى
منهم الكتيبة الاخرى موليّن مدبرين (كالابل الهيم) العطاش المجتمعة على
الحياض للشرب (المطرودة) بعد اجتماعها (ترمى) بالسهام و
تدفع (عن حياضها و تذاد) و تطرد (عن مواردها) فانّ طردها
على ذلك الاجتماع يوجب ركوب بعضها بعضا و وقوع بعضها على بعض و كذلك تلك الكتائب.