لا يعتقدون فيه الأمر الذي يجب اعتقاده
فيه، و كان يعامل معهم بالتقيّة، و يدارى معهم بحسن التدبير و السّلوك و الاناة مع
ما كان يشاهده 7 منهم غير مرّة من التمرّد و العصيان كما أشار اليه
بقوله (استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا و أسمعتكم فلم تسمعوا و
دعوتكم سرّا و جهرا فلم تستجيبوا) دعوتي (و نصحت لكم فلم تقبلوا) نصيحتي.
ثمّ تشبيه
مقلوب شبّههم 7 بقوله (أ شهود كغيّاب) بالغائبين مع كونهم
شاهدين، لأنّ ثمرة المشاهدة هو الاستفادة و الانتفاع و مع عدمها فالشاهد و الغائب
سواء.
و كذلك
شبّههم بقوله 7 (و عبيد كأرباب) بالأرباب مع كونهم
عبيدا، و هو إمّا من باب القلب و مبنيّ على المبالغة أى أنتم أرباب من صناديد
العرب و رؤسائها و لكنكم كالعبيد في رزالة النفس و دنائة الهمة، أو المراد أنّكم
عبيد و رعايالي مفترض طاعتي عليكم و لكنكم تأبون عنها و تمرّدون عنها كالسادات، و
هذا أنسب بالفقرة السّابقة، أو أنّ أخلاقكم أخلاق العبيد من الخلاف و النفاق و
دنائة الأنفس و التواني و التخاذل و أنتم مع ذلك تدّعون الاستقلال و تتكبّرون و
تتغرّون و تستبدّون بالآراء كالأرباب و الأحرار.
ثمّ أشار
7 إلى وجوه تقصيرهم بقوله (أتلو عليكم الحكم) الحسنة (فتنفرون
منها و أعظكم بالموعظة البالغة فتتفرّقون عنها و أحثكم على جهاد أهل البغى) أراد به أهل
الشّام (فما اتى على آخر قولى حتّى اريكم متفرّقين) مثل تفرّق (أيادى
سبا ترجعون إلى) بيوتكم و (مجالسكم و تتخادعون عن مواعظكم) أي تتلوّنون و
تختلفون معرضين عن قبول المواعظ، و قال الشّارح المعتزلي: أى تمسكون عن الاتعاظ من
قولهم: كان فلان يعطى ثمّ خدع أى امسك و اقلع، و قال الشّارح البحراني: المخادعة
هي الاستغفال عن المصلحة أى أنّهم إذا رجعوا من مجلس وعظه أخذ كلّ منهم يستغفل
صاحبه عن تذكّر الموعظة و يشغله بغير ذلك من الأحاديث و إن لم يكن عن قصد خداع بل
تقع منهم صورة المخادعة.
(اقوّمكم
غدوة) باصلاح أخلاقكم و إرشادكم إلى السّداد و الرشاد (و
ترجعون