يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ ما
تُخْفِي الصُّدُورُ قال في مجمع البيان: أى خيانتها و هى
مسارقة النظر إلى ما لا يحلّ النّظر إليه و الخائنة مصدر كما أنّ الكاذبة و
اللاغية بمعنى الكذب و اللّغو و قيل إنّ تقديره يعلم الأعين الخائنة، و قيل هو
الرمز بالعين و فيه أقوال اخر (و مستقرّهم و مستودعهم
من الأرحام و الظهور) و فيه ملامحة إلى قوله سبحانه:
أى يعلم موضع
قرارها و الموضع الذى أودعها فيه من أرحام الأمّهات و أصلاب الآباء و ظهورهم، و
يعلم كلّ أحوالهم من حين ابتدائهم (إلى أن تتناهى بهم الغايات) و يقف كلّ
عند غايته المكتوبة من خير أو شرّ (هو الذى اشتدّت نقمته على أعدائه في سعة
رحمته و اتّسعت رحمته لأوليائه في شدّة نقمته) لا يخفى ما في هذه
القرينة من حسن المقابلة.
قال الشارح
البحراني: و أشار بذلك إلى كمال ذاته بالنّسبة إلى ملوك الدنيا مثلا، فانّ أحدهم
في حالة غضبه على عدوّه لا يتّسع لرحمة و لا رحمة غيره، و كذلك في رحمته لأوليائه
لا يجتمع معها غضبه عليهم؛ و لمّا ثبت أنه تعالى هو الغنّى المطلق المنزّة عن صفات
المخلوقين و أنّه المعطي لكلّ قابل ما يستحقّه من غير توقّف في وجوده على أمر من
ذاته، و كان أعداء اللَّه مستعدّون ببعدهم عنه لقبول سخطه و شدّة نقمته في الآخرة،
لا جرم أولاهم ذلك و ان كانوا في الدّنيا في سعة رحمته و شمول نعمته، و كذلك
أولياؤه لما استعدّ و القبول رحمته و شمول نعمته أفاضها عليهم فهم في حظيرة قدسه
على غاية من البهجة و السّعادة و ضروب الكرامة و إن كانوا بأجسادهم في ضروب من
العذاب و شقاوة الفقر و الضنك في الدّنيا، و ذلك لا يملكه إلّا حليم لا يشغله غضب
عن رحمته، عدل حكيم لا تمنعه رحمته عن انزال