خلق عندهما حجبا و أستارا و سرادقات، و
حشاها من أنواره الغريبة المخلوقة له ليظهر لمن يشاهدها من الملائكة و بعض
النّبيّين و لمن يسمعها من غيرهم عظمة قدرته و جلال هيبته وسعة فيضه و رحمته، و
لعلّ اختلاف الأعداد باعتبار أنّ في بعض الاطلاقات اعتبرت الأنواع، و في بعضها
الأصناف و الأشخاص أو ضمّ بعضها إلى بعض في بعض التعبيرات أو اكتفى بذكر بعضها في
بعض الرّوايات.
و أمّا بطنها
فلأنّ الحجب المانعة عن وصول الخلق إلى معرفة كنه ذاته و صفاته سبحانه امور كثيرة:
منها ما يرجع
إلى نقص المخلوق و قواه و مداركه بسبب الامكان و الافتقار و الاحتياج و الحدوث و
ما يتبع ذلك من جهات النّقص و العجز و هي الحجب الظلمانية.
و منها ما
يرجع إلى نوريّته و تجرّده و تقدّسه و وجوب وجوده و كمال عظمته و جلاله و ساير ما
يتبع ذلك و هي الحجب النورانية و ارتفاع تلك الحجب بنوعيه محال، فلو ارتفعت لم يبق
بغير ذات الحق شيء، أو المراد بكشفها رفعها في الجملة بالتخلّى عن الصفات
الشهوانية و الأخلاق الحيوانيّة و التخلّق بالأخلاق الرّبانية بكثرة العبادات و
الرّياضات و المجاهدات و ممارسة العلوم الحقّة، فترتفع الحجب بينه و بين اللَّه
سبحانه في الجملة فيحرق ما يظهر عليهم من أنوار جلاله تعيّناتهم و إراداتهم و
شهواتهم فيرون بعين اليقين كما له سبحانه و نقصهم، و بقائه و فنائهم، و عزّه، و
ذلّهم، و غناه و افتقارهم، بل يرون وجودهم المستعار في جنب وجوده الكامل عدما، و
قدرتهم الناقصة في جنب قدرته الكاملة عجزا بل يتخلّون عن إرادتهم و علمهم و قدرتهم
فيتصرّف فيهم إرادته و قدرته و علمه سبحانه، فلا يشاءون إلّا أن يشاء اللَّه، و لا
يريدون سوى ما أراد اللَّه، و يتصرّفون في الأشياء بقدرة اللَّه، فيحيون الموتى و
يردّون الشمس و يشقّون القمر كما قال أمير المؤمنين 7: ما قلعت باب
خيبر بقوّة جسمانيّة بل بقوّة ربانيّة، و المعنى الذي يمكن فهمه و لا ينافي أصول
الدّين من الفناء في اللَّه و البقاء باللّه هو هذا المعنى.