و الغارة و السّرقة و نحوها على ما جرت
عليه عادة العرب و كانت دابا لهم (و شعارها الخوف و دثارها
السّيف) الشّعار ما يلي شعر الجسد من الثّياب و
الدّثار ما فوق الشّعار من الأثواب و مناسبة الخوف بالشّعار و السّيف بالدّثار غير
خفيّة على ذوي الأنظار.
ثمّ إنّه بعد
ما مهّد المقدّمة الشريفة و فرغ من بيان حالة العرب في أيّام الفترة شرع في
الموعظة و النّصيحة بقوله: (فاعتبروا عباد اللَّه) بما كانت
عليه الاخوان و الآباء و الأقران و الأقرباء (و اذكروا تيك) الأعمال
القبيحة و الأحوال الذميمة (التي آبائكم و اخوانكم بها مرتهنون) و محبوسون و عليها
محاسبون و مأخوذون.
ثمّ اشار
7 إلى تقارب الأزمان و تشابه الأحوال بين الماضين و الغابرين بقوله: (و لعمري
ما تقادمت بكم و لا بهم العهود) حتّى تغفلوا (و لا خلت فيما
بينكم و بينهم الأحقاب و القرون) حتّى تذهلوا (و ما أنتم اليوم
من يوم كنتم في أصلابهم ببعيد) حتّى تنسوا و لا تعتبروا فلكم اليوم بالقوم
اعتبار و فيما جرت عليهم تبصرة و تذكار.
(و اللَّه
ما أسمعهم الرّسول شيئا إلّا و ها أناذا مسمعكموه) فليس لكم علىّ حجّة
بعدم الابلاغ و الاسماع (و ما إسماعكم اليوم بدون إسماعهم بالأمس) فليس لكم
معذرة بالوقر في الآذان و الأسماع (و لاشقت لهم الأبصار) المبصرة (و لا
جعلت لهم الأفئدة) المتدبّرة (في ذلك الأوان إلّا و قد أعطيتم مثلها في هذا الزّمان) فلا يمكن
لكم أن تقولوا إنّا كنّا في عمى من هذا و كنّا به جاهلين، و لا أن تعتذروا بأنّه
لم يجعل لنا أفئدة و كنّا منه غافلين.
(و واللَّه
ما بصّرتم بعدهم شيئاً جهلوه) بل علّموا ما علّمتم (و لا اصفيتم) و اوثرتم (به و
حرموه) بل منحوا ما بذلتم فلم يبق بينكم و بينهم فرق في شيء من الحالات و
كنتم مثلهم في جميع الجهات فإذا انتفى الفارق فما بالكم لا تسمعون و لا تبصرون